بقلم : عمرو الشوبكي
سافرت يوم الجمعة الماضى إلى لبنان لحضور ورشة عمل عن دور الدين فى السياسة الخارجية، بحضور عربى وأوروبى، بالإضافة لحضور تركى، ممثلا فى سفيرها السابق فى الولايات المتحدة (من حزب الشعب الجمهورى المعارض)، وإيرانى ممثلا فى رجل دين إسلامى شيعى (لم يتكلم طوال اليومين)، بالإضافة لحضور لبنانى من كل الطوائف.
والحقيقة أن هذه الزيارة كانت ذات طبيعة خاصة تختلف عن كل الزيارات السابقة (فاقت ربما العشرين) لهذا البلد العربى الصغير والجميل، والذى نجح أن يقدم صيغة للتعايش ولو الهش بين طوائفه المختلفة فى منطقة اشتعلت فيها حروبه السياسية والمذهبية.
فزيارة لبنان فى هذا التوقيت مغرية لأنها تأتى عقب التداعيات التى أعقبت استقالة الرئيس الحريرى من العاصمة السعودية الرياض، ثم سفره إلى باريس، ثم إعلانه العودة إلى لبنان لحضور عيد الاستقلال فى هذا الأسبوع.
ولذا لم يكن غريبا منذ أن وطئت أقدامى العاصمة اللبنانية أن أجد صوراً لسعد الحريرى فى كل مكان فى بيروت، وخاصة بالطبع فى المناطق السنية والمختلطة (بعيدا عن الضاحية الجنوبية التى يسيطر عليها حزب الله)، ولا أذكر أن دار حديث عميق مع السائق الذى يصحبنى من المطار إلى الفندق عما يجرى فى لبنان، فغالبا ما كنت أستمع منهم لحديث عن العالم بأسره، فإما عن أحوال مصر أو المنطقة العربية، أو إيران وتركيا وأمريكا وإسرائيل، وأحيانا ما يسهبون فى تحميل مسؤولية ما يجرى فى لبنان والمنطقة العربية لقوى خارجية تختلف على حسب الهوى السياسى والمذهبى.
والحقيقة هذه المرة جاءنى للمطار سائق شاب من منطقة جبيل (مدينة ساحلية على بعد 45 كيلو مترا من بيروت) ذات أغلبية مسيحية، ودار الحديث هذه المرة (تقريبا كله) عن الأزمة اللبنانية، وأدهشنى ثقافته ومتابعته الدقيقة لما يجرى، وأخبرنى أنه مسيحى وعبر عن استيائه من الطريقة التى استقال بها رئيس الحكومة اللبنانية ومكانها (خارج الحدود)، وأشاد بموقف رئيس الجمهورية العماد ميشيل عون حين طالب السعودية بالإفراج عنه، ووصف ما جرى بأنه احتجاز لرئيس وزراء دولة عربية ذات سيادة.
وتطرق الحديث إلى حزب الله، وهنا قال الشاب بصراحه: أنا من منطقة مسيحية وجوارها ضيع (قرى) سنية وشيعية وإننا كمسيحيين لم نتعرض لأى اعتداءات ولا مذابح على يد الشيعة بشكل عام، وحزب الله بشكل خاص على عكس السنة الذين خرجت منهم تنظيمات مارست ذبحا وقتلا وتكفيرا بحق المسيحيين فى أكثر من مكان، ودافع عن دور حزب الله فى سوريا لهذه الأسباب.
اللافت من هذا الحديث هو أنه دفعنى للنقاش مع كثير من الأصدقاء اللبنانيين بعضهم حضر ورشة العمل حول قضية حزب الله وتحالفاته الداخلية فى لبنان، والتى سبق وأشرت إليها الأسبوع الماضى، والتى من الصعب اختزالها بالقول فقط إنه حزب طائفى يمثل ذراعا سياسية وعسكرية ومذهبية لدولة أخرى: إيران، ذلك لأنه ربط هيمنته على القرار اللبنانى بالحفاظ على السلم الأهلى داخل البلد، وبالتالى فإن أى معادلة جديدة فى لبنان لا بد أن تأخذ فى اعتبارها هدف الحفاظ على السلم الأهلى أولا ثم تحجيم دور حزب الله ثانيا.
ويبقى هذا حديث الغد.