بقلم عمرو الشوبكي
لم ولن أعلق على حكم قضائى، ليس لأنى لا أنتمى لفئة المحصنين الذين تطلقهم بعض الأجهزة الأمنية على خلق الله، حتى لو كانوا أعلى سلطة قضائية فى مصر، إنما لقناعة بأن الأحكام القضائية تناقش من خلال متخصصين وخبراء قانونيين، وتنقض ولا تنقد.
صحيح أن الرأى العام فى مصر أحيانا ما رفض أحكاما قضائية، وأحيانا ما اعترض عليها همسا أو صراحة فى جلساته الخاصة أو على مواقع التواصل الاجتماعى، والواضح أن الحكم الأخير بحق نقيب الصحفيين لم تقبله الجماعة الصحفية فى أغلبها حتى لو احترمته كما هو واجب وكما ذكر نقيب الصحفيين أنه سيطعن عليه، واعتبره محاموه قضية منعدمة الأركان.
وإذا كان حق الاستئناف والنقض مكفولين وفق الدستور والقانون ونظام التقاضى، فإن القضية ليست فى الحكم الذى يجب احترامه، إنما بالأساس فى المناخ السياسى العام الذى دخلت فيه الدولة طرفاً فى المواجهة مع الإعلام المستقل بشكل عام ونقابة الصحفيين بشكل خاص.
والحقيقة أن موقف النقابة والنقيب فى قضية اعتصام اثنين من الصحفيين داخل النقابة ورفضها عملية الاقتحام التى تمت من قبل أجهزة الأمن كانت فى جانب رئيسى منها منازعة قانونية، فقد نصت المادة 70 من قانون النقابة على: «لا يجوز تفتيش مقار نقابة الصحفيين ونقاباتها الفرعية أو وضع أختام عليها إلا بحضور أحد أعضاء النيابة العامة، وبحضور نقيب الصحفيين أو النقابة الفرعية أو من يمثلها». وهو بالطبع ما لم يحدث، فاعترضت النقابة ورفضت ما فعلته الداخلية.
والمؤكد أن كثيراً من النقابات المهنية، وبخاصة نقابة الصحفيين، اعتادت هذا النوع من الاعتصامات، ولم يستطع أى نقيب، حتى لو كان موالياً للحكومة ومدعوماً من أجهزة الدولة، أن يمنعها.
لقد حافظ نظام مبارك على حد أدنى من القواعد فى التعامل مع الخصوم، قبل أن يتم تجاوزه فى انتخابات 2010 المزورة، فالنقابات المهنية، وبخاصة الصحفيين، كان مسموحاً لها ما لم يكن مسموحاً به فى الشارع ولا حتى للأحزاب.
لم يحدث على مدار 40 عاما أن اقتحمت قوات الأمن نقابة مهنية واحدة فى مصر، ولا اعتقلت مطلوباً، ولا فَضّت مؤتمراً ولا ندوةً، ومازلتُ أذكر المؤتمر الذى نظمته نقابة الصحفيين للتضامن مع إبراهيم عيسى، عقب صدور حكم ابتدائى بحبسه (استأنف عليه وحصل على البراءة) بتهمة إهانة رئيس الجمهورية حسنى مبارك (وليس الدفاع على مصرية تيران وصنافير)، وحضر عيسى المؤتمر، ولم يعتبره الأمن فرصة لاقتحام النقابة واعتقاله، ليسجل نقطة عند الرئاسة، خاصة أنه كان متهماً بإهانة الرئيس.
وحتى الوقفات الاحتجاجية الشهيرة التى جرت على سلالم نقابة الصحفيين، كانت الشرطة وضباطها يفرضون كردوناً على مداخل شارع عبدالخالق ثروت، ويمنعون الناس من الدخول، ولكنهم لم يجرؤوا على منع الصحفيين من دخول نقابتهم، فكانوا يسمحون، مراعاةً للشكل العام، لكل من يحمل بطاقة نقابة الصحفيين بالدخول، رغم تأكدهم أنه جاء من أجل التظاهر.
الوضع الحالى أصبحت فيه مهنة الصحافة جريمة فـ«كارنية النقابة» أصبح اتهاماً، وكثير من الشباب تم اعتقالهم لأنهم صحفيون، فى مشهد لم تعرفه البلاد من قبل.
يحيى قلاش، نقيب منتخب، ليس فوق القانون، ولكنه حافظ على كرامة النقابة التى مثّلها، ومن الوارد أن يخطئ ويصيب، لكن المؤكد أن معارك تكسير العظام و«سياسة» الأمن هما الحل والعصا الغليظة لكل من يقول رأياً مختلفاً ليس فيه أى صواب إنما هو الخطأ المطلق.