بقلم - عمرو الشوبكي
فى كل مرة أسافر فيها خارج مصر أندهش من انخفاض أسعار أدوية كثيرة فى أوروبا، وارتفاع أسعارها فى مصر، صحيح أنه بعد تراجع قيمة الجنية أمام العملات الأجنبية أصبحت معظم الأدوية المصرية أرخص من نظيرتها الأجنبية، إلا أن الفارق الهائل بين الدخول والأجور بين بلادنا، ومعظم دول العالم يجعل ارتفاع أسعار الأدوية عندنا أمرا غريبا وغير مبرر.
إذا أخذت مثلا بأحد أدوية توسيع شرايين القلب فى مصر وهو ألتازيم Altiazem، فقد تضاعف سعره فى العامين الأخيرين ليصل إلى حوالى 20 جنيها (يظل رخيصا بالمعنى العالمى) فى حين أن ما يعادل هذا الدواء فرنسيا يسمى ديلتازيم Diltiazem
فقد انخفض سعرة فى السنوات العشر الأخيرة من 12 يورو إلى 3 يورو صحيح أن السعر الأخير يعادل 65 جنيها مصريا (أى أكثر من 3 أضعاف سعر نظيره المصرى) إلا أن دلالة انخفاض سعر دواء فى بلد ثرى ورأسمالى ومتقدم، وارتفاعه فى بلد فقير ونام تحتاج إلى تفسير.
إن شركات الأدوية العالمية تسعى بالطبع للربح ولكنها تنفق جزءا من أرباحها على البحث العلمى حتى تستطيع أن تنافس فى السوق وتربح أيضا بتخفيض الأسعار لا رفعها.
ولذا يبدو الأمر لافتا كيف أن بلادا فيها الحد الأدنى للأجور ما يعادل 6 آلاف جنيه مصرى، ونجد فيها تأمينا صحيا شاملا وتخفيضا متكررا فى أسعار الأدوية.
قضية الدواء فى مصر تحتاج إلى تصور متكامل للتعامل معها لا يقف فقط عند حدود فرض قيود على استيراد الدواء إنما أيضا تطوير صناعة الدواء المحلى وعدم اعتبار أدوية «الغلابة» مصدر دخل للدولة مثل الضرائب، ويجب أن نسأل أنفسنا عن أسباب استمرار ارتفاع سعر الدواء فى مصر بما فيه الأدوية التى تصنع من خامات محلية.
هناك اختراعات رددناها حتى صدقها البعض، مثل أن سعر الدواء المصرى أرخص من الأجنبى (وهو صحيح على طريقة لا تقربوا الصلاة) لكن يجب القول أيضا إن الحد الأدنى لراتب مواطن أجنبى يعادل راتب مدير عام فى مصر، كما أن تركيز الدولة والمجتمع على العمل فى البلاد المتقدمة على تخفيض أسعار الأدوية دون غيرها من السلع يعكس فلسفة أخرى غير تلك السائدة فى مصر.
فالمنافسة- والربح- لا تعنى الاستغلال والاحتكار، وأن أسعار أى سلعة لن تنخفض بالأوامر ولا بالتسعيرة الجبرية التى يتصور بعض البسطاء أنها الحل (ومع ذلك لم تفعلها الحكومة) إنما عن طريق نظام سوق اقتصادى يسمح بالمنافسة بين شركات الأدوية المختلفة ويدفعها إلى تطوير منتجاتها وتخفيض أسعارها.
فحين نربط العلم بكل مناحى الحياة فيصبح الرهان على البحث العلمى هو الطريق ليس فقط لتقديم أدوية أكثر نجاعة وتأثيرا إنما أيضا بتخفيض سعرها.
العلم وليس الشعارات هو الذى يمكن أن يغير كثيرا من واقعنا ليس فقط فى مجال صناعة الأدوية وأسعارها إنما أيضا فى كل مناحى الحياة السياسية والاقتصادية.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية