بقلم : عمرو الشوبكي
انتهى مسار التعديلات الدستورية إلى النتيجة التى عرفناها فى كل استفتاءاتنا السابقة، وستعلن «نعم» المعتادة فى استفتاءات مصر.
ويبقى السؤال: هل هناك تفاعلات غير مرئية أو مسارٍ موازٍ لا يرى بالعين المجردة يشهده المجتمع المصرى؟
مسار التعديلات الدستورية يقول إن كثيرًا من الناس ركزوا أساسًا فى مدد الرئاسة، دون غيرها من المواد، والمقترح الأول كان ينص على إعطاء الرئيس الحق فى البقاء فى السلطة لمدتين، بعد انتهاء مدته الأصلية، لتنتهى فى 2034، وهو ما تم التراجع عنه ليعطى الحق للرئيس للبقاء فى السلطة حتى 2030.
وقد ذكر لى بعض النواب ممن تفاعلوا عن قرب مع الصياغات النهائية لمواد الدستور كيف تحول اتجاه النقاش فجأة من إعطاء مدتين إضافيتين للرئيس إلى مدة واحدة فى 24 ساعة، وهو ما أثار استغراب الكثيرين عن أسباب هذا التحول.
والسؤال المطروح: لماذا تراجعت الدولة، وقررت تقليل مدة الرئاسة؟
هل بسبب قوة المعارضة أو المؤسسات الأهلية أو النقابات المهنية الرافضة للتعديلات؟
الحقيقة لا يوجد مظهر واحد يدل على قوة المعارضة أو الأحزاب السياسية أو وجود مؤثر للنقابات المهنية والعمالية؛ فالجميع يعانى من حالة ضعف عام وتهميش كامل؛ بما يعنى صعوبة القول إن قوة المعارضة السياسية المنظمة كانت وراء تقليل مدد الرئاسة.
والحقيقة أن هناك أصواتًا حتى لو حجبت فى العلن؛ فهى موجودة فى الواقع، وهى ما تعرف فى البلاد الديمقراطية بالرأى العام، ويمكن وصفها فى بلادنا بالمسارات الموازية أو التفاعلات غير المرئية التى تقدرها أجهزة الدولة نفسها، وتعرف حقيقة موقفها من القضايا المطروحة ومدى شعبية الحكم وغيرها.
يقينا هناك تفاعلات تجرى فى عمق المجتمع المصرى بعيده عن الأحزاب والمؤسسات السياسية جعلت الدولة تقلل فترة الرئاسة، وتتراجع عن المقترح الأول.
والحقيقة أن هذه التفاعلات لا يؤثر فيها وسيط سياسى ولا يؤطرها وسيط حزبى مؤيد أو معارض، وهى مواقف فطرية وتلقائية لا يمكن التحكم فيها بإعلام موجه أو بأجهزة أمنية، إنما هى رد فعل على واقع معيش. فمهما يَقُل الإعلاميون المؤيدون إن الواقع عظيم، وإننا نعيش مرحلة استقرار وازدهار، فإن الواقع الاقتصادى المعيش ومدى إعمال دولة القانون هما الذان يحددان مواقف الناس الحقيقية حتى لو أخفاها البعض.
من الواضح أن هناك أغلبية داخل المجتمع المصرى باتت معارضتها هامسة بعيدا عن «الثلث المعطل» (عنوان مقال سابق) الذى يعانى من الجهل والعوز والتهميش، ويقبل كل صور الرشاوى الانتخابية وغير الانتخابية.
لقد حان الوقت أن تعود الدولة مرة أخرى للتواصل مع الأغلبية بتقديم خطاب صادق وشفاف، يبنى معها قنوات اتصال شعبية وسياسية، بعيدا عن حملات التطبيل ومظاهر الإسفاف التى رأيناها فى كثير من الأماكن حتى داخل أعرق جامعة مصرية وعربية