بقلم : عمرو الشوبكي
تظل فرص نجاح الحراك الشعبى فى السودان والجزائر متوقفة على قدرة مؤسسات الدولة على التكيف، والاستجابة ولو الجزئية، لمطالب الحراك دون أن تنكسر أو تتهور وتغلق المجال السياسى.
وكلما اقتربت قوى الحراك من مسار دستورى ومؤسسى فإن فرصها فى النجاح أكبر من أى مسار ثورى قد يقضى على فرص الجميع فى انتقال ديمقراطى، كما أن الاعتراف بأن النظام الجديد لن يكون جديدا تماما إنما هو نظام هجين بين القديم والجديد، وأن الرئيس القادم لن يعبر فقط عن الحراك الشعبى إنما سيكون رئيس جسر بين الحالة الثورية فى الشارع وبين القوى المحافظة داخل الدولة وخارجها.
وقد تكون الميزة الأولى فى حراك الجزائر تمسكه بالدستور القائم والبحث عن مخرج دستورى يبرر دعوات عدم ترشح بوتفليقة أو تأجيل الانتخابات لفترة أخرى، فلم يخرج قادة الحراك فى الجزائر ويطالبوا بإسقاط الدستور أو وضع إعلان دستورى مثلما جرى فى مصر ويتردد حاليا فى السودان.
وحرص الحراك فى الجزائر ثانيا على عدم الدخول فى «مدينة الثوار الفاضلة» بالعيش داخل خيم الاعتصام وفى عالم المعتصمين وانعزاله عما يجرى فى باقى المجتمع مثلما حدث فى ميدان التحرير فى مصر أو أمام مقر قيادة الجيش فى السودان، فمظاهرات الجزائر يومى الجمعة والسبت، أى تظاهرات على «الطريقة الأوروبية» فى العطلة الأسبوعية (الويك أند) ولم تعرف بياتا أو خياما.
أما الميزة الثالثة لحراك الجزائر فهى وعى قادته بأهمية تقليل المرحلة الانتقالية بحيث لا تتجاوز 6 أشهر، والمطالبة بإدارتها عبر رموز معتدلة ومستقلة ولا تنتمى بشكل مباشر للحراك ولا للنظام القديم، وهو على عكس التجربة السودانية التى فوجئ الجميع بطلب قوى الحرية والتغيير بمد الفترة الانتقالية لتصبح أربع سنوات فى حين أن المجلس العسكرى هو الذى اقترح أن تكون 3 سنوات.
والحقيقة أن مد المرحلة الانتقالية يمثل كارثة حقيقية على قوى الحراك والثورة السودانية، ويصبح الأمر مثيرا للغرابة حين تكون هى التى طالبت بذلك، فى حين كان أجدر لها أن تبحث عن قيادات مثل الصادق المهدى أو غيره لقيادة المرحلة الانتقالية بدلا من السقوط فى وهم أنها قادرة على الحكم بعد 3 سنوات. السودان امتلك ميزة كبرى وهى التفاوض المباشر بين القوى التى تمثل الحراك والمجلس العسكرى، ولكنها أهدرت بعد تعثر المفاوضات بين الجانبين، وبعد أن دخلت قوى الحرية والتغيير فى معركة كسر عظام مع المجلس العسكرى وهى منقسمة على ذاتها وخسرت الجناح الإصلاحى بداخلها. فرص النجاح مازالت قائمة بالنسبة لانتفاضتين عظيمتين، ولمن سينجح منهما فى فهم معنى المرحلة الانتقالية التى من اسمها يجب أن تكون قصيرة وتفتح الطريق لبناء دولة قانون، لا لتصفية حسابات مع الخصوم السياسيين أو مع مؤسسات الدولة.