بقلم : عمرو الشوبكي
نحتاج إلى نقاش عام جاد في كل قضايانا ومشاكلنا، بدءًا من أولوياتنا الاقتصادية والسياسية، مرورًا بأدوات مواجهتنا للإرهاب، وانتهاء بقضايانا الثقافية والفكرية، وليس صحيحًا ما يروجه البعض أن الشعب يريد الاستباحة و«سى دى» لكل مواطن ويستمتع بالتهم المُلفَّقة وفصائل الردح، فبعض الأسماء المُحصَّنة هي التي تريد ذلك، وهى التي تعلن كل يوم أنه لن يحاسبها أحد.
صحيح أن صحف النميمة الصفراء موجودة في كل دول العالم وتستهوى شريحة من القراء، ولكنها لا تلغى كما يجرى عندنا النقاش العام، فالقرارات الحكومية المهمة لا تخضع لأى نقاش تقريبًا، ولا يوجد مشروع أو مقترح خضع في مصر لنقاش عام، فهناك رؤية واحدة وهناك دائمًا إما مؤيدين ومُهلِّلين ومُبايعين أو الوجه الآخر لهم من رافضين ومحتجين يهدمون ويشمتون في أي تعثر أو مصيبة.
وفى ظل تغييب مدارس فكرية وسياسية يسارية ويمينية تناقش مسارنا السياسى، وفى ظل غياب حتى نقاش فنى حول المشروعات الاقتصادية أمام الرأى العام، أصبح البلد أسيرًا إما لقوى العنف والعمليات الإرهابية «ممارسة وتبريرًا» أو قوى الاحتجاج والرفض، أو المؤيدين والمبايعين، أو ملايين المنسحبين والمُحبَطين من المجال العام والسياسى.
غياب النقاش العام ساعد على انتشار الخرافة والتجهيل والآراء التي ما أنزل الله بها من سلطان، فإذا أخذنا مثلًا الحديث الذي دار على مواقع التواصل الاجتماعى في أعقاب العملية الإرهابية الأخيرة حول جدوى «الكمائن الثابتة»، ورغم النوايا المخلصة والصادقة لمعظم مَن ناقشوا هذا الموضوع، فإنه تم اتهامهم بأنهم مُدَّعون ويفتون فيما لا يعرفون وأن البلد تحول كله إلى خبراء عسكريين.
ومن الوارد أن تكون تعليقات الناس غير دقيقة، ولا تعكس السبب الحقيقى وراء وجود الكمائن الثابتة، لأنها تأتى من أفراد عاديين وليسوا متخصصين، ويبقى السؤال: لماذا لم تحرص الدولة على اعتبار الرأى العام والناس العاديين رقمًا أساسيًا في المعادلة، فتقدم في إعلامها خبراء عسكريين واستراتيجيين يتحدثون بشكل علمى عن أسباب وجود هذه الكمائن، وكيف أنها ضرورية في عمل القوات في سيناء وغيرها، مما يُقلِّل من الكلام المرسل، الذي يطلقه ببساطة كثير من الناس؟
لا يوجد حتى نقاش عام للقضايا الفنية أمام الرأى العام، فكل النظم غير الديمقراطية تضع خطوطًا حمراء حول القضايا السياسية الكبرى، وتترك السياسات العامة، أي الصحة والتعليم والمشروعات الاقتصادية، للنقاش العام وتطرح فيها آراء مختلفة يستفيد منها صانع القرار مادامت لا تمس ما وُضع من قواعد وحتى القيود.
علينا ألا نحاسب الناس على بعض التجاوز أو الشطط أو «الفَتْى»، قبل أن تحاسب الدولة نفسها على عدم خلق المناخ السليم والصحى الذي يقدم للشعب المعلومة الصحيحة بعيدًا عن الهتافات والشعارات، عندها يمكن أن نحاسب الناس على أي خطأ.