بقلم :عمرو الشوبكي
عُرف شهر رمضان فى مصر بتنوع جمهوره، فهناك جمهور المسلسلات، وهناك جمهور حفلات الإفطار والسحور، وهناك جمهور التراويح وقيام الليل، وهناك جمهور الكسل وعدم العمل إلا بعد الإفطار، وهناك جمهور الإيمان والتدين الحقيقى بجوار جمهور التدين الشكلى والمغشوش، وهناك كثيرون أخذوا من كل جانب «حتة» وصنعوا توليفة خاصة بهم ضمت المسلسلات والتراويح وعدم العمل فى أثناء الصيام وقدموا نموذجاً للمواطن العابر «للأنساق المغلقة».
والحقيقة أنه لأول مرة يُجمع كل من أعرفهم على أن رمضان هذا العام بلا روح وفقد جانباً من بهجته، فمثلا كل أصدقائى المسيحيين عبّروا لى عن شُحّ دعوات الإفطار والسحور وغياب كثير من الناس عن المقاهى والمطاعم بما فيها الشعبية والمتوسطة. أما جمهور المسلسلات فقد غاب تقريبا عن متابعة أى مسلسل مصرى فى مشهد حزين يعبر ليس فقط عن أزمة الإعلام فى بلادنا إنما أيضا أزمة أكبر للفن والإبداع.
طبعا ما جرى فى رمضان هذا العام يحتاج لمراجعة جذرية وشفافة واستطلاعات رأى (ولو سرية) حول ماذا شاهد المصريون؟ ولماذا تراجع جمهور المسلسلات المصرية بدرجة كبيرة وغير مسبوقة بعد أن بدت معظمها وكأن مصدرها كاتب سيناريو واحد. غياب عادل إمام عن شهر رمضان أثر تأثيرًا كبيرًا على جمهور المسلسلات، فالرجل قدم منذ 2012 مسلسلاً فى كل عام، بدأه بفرقة ناجى عطا الله، ثم العراف، فصاحب السعادة، ثم أستاذ ورئيس قسم، وقدم منذ ثلاثة أعوام مسلسله المتميز مأمون وشركاه، وبعده عفاريت عدلى علام، وأخيرًا مسلسل العام الماضى الرائع «عوالم خفية».
يقينًا يمكن أن يختلف الناس على بعض مضامين مسلسلات عادل إمام، إلا أن من المؤكد أنه نجح فى الوصول لقاعدة عريضة من جمهور رمضان، واستطاع بموهبته الفذة وذكائه الاجتماعى أن يمثل بديلاً جماهيريًا لمسلسلات كثيرة يمكن وصفها بالمنحطة حوّلت جرائم القتل والسرقة والبلطجة إلى بطولة.
لم يترك من تبقى من جمهور مسلسلات رمضان فى حالهم، إنما أمطروهم بعدد هائل وفج من الإعلانات، تجاوزت كل حدود المنطق والمهنية حتى زاحمت أذان المغرب وحلت مكان القرآن الكريم الذى صرنا نسمع القليل منه قبل أذانى المغرب والفجر.
لقد قطعت الإعلانات المسلسلات إلى 4 أجزاء تجاوز كل جزء إعلانى الوقت المخصص للمسلسل وبصورة فجة وغير متكررة فى أى مكان فى العالم، وبصورة أدت إلى «تطفيش» جمهور التليفزيون إلى «يوتيوب» لمشاهدة المسلسل الرمضانى دون إعلانات.
إن التعايش بين الدين والدنيا كان نموذجاً حياً ومبهجاً على أرض مصر طوال شهر رمضان، صحيح أن جمهور التراويح لم ينقص، ولكن لا أعتقد أنه زاد، إلا أن جمهور البهجة فى رمضان قد تراجع لصالح جمهور الحزن والأزمة.