بقلم عمرو الشوبكي
كشف مؤتمر شرم الشيخ خلافات عديدة فى توجهات الشباب، وأسقط نظريات النقاء الجيلى والعواجيز الأشرار الذين يقمعون الشباب الأحرار، وشباب الثورة فى مواجهة الشعب العبيد، وغيرها من المفردات الخائبة التى يثبت الواقع كل يوم فشلها، وأن التنوع والانقسام فى صفوف الشباب والأمراض العابرة للأجيال هى كلها أمور مشاهدة بالعين المجردة لا تحتاج إلى براهين.
فهناك من الثوار الأشاوس مَن غيّروا توجهاتهم 180 درجة حين لاحت لهم فرصة الحصول على مقعد برلمانى أو وظيفة، وبدت معارضتهم الثورية وكأنها كانت فقط من أجل اقتناص فرصة للصعود السياسى والاجتماعى.
وهناك أيضا من بدأ مبكرا للغاية فى التهليل للحكم، معطيا نموذجاً لا يحتذى فى نفاق السلطة (أىّ سلطة بالمناسبة)، فرغم أنه شاب إلا أنه خلص أموره منذ البداية، وركن أى قشور ثورية أو سياسية على جنب، وتعلّم أن طريقه فى تحقيق ذاته ليس جهده وعمله إنما نفاق كل من يجلس على كرسى الحكم.
مقابل هؤلاء هناك نماذج أربعة اتخذت صورا مختلفة من المعارضة، فهناك بالتأكيد معارضون مضطرون، لأنهم لم يحصلوا على نفس الفرصة التى حصل عليها زملاؤهم السابقون حتى يؤيدوا، وهناك معارضة احتجاجية ثورية تستمد جانبا من تأثيرها من ضعف المسار السياسى وأخطاء نظام الحكم ومعارضته الإصلاحية على السواء، ومع ذلك هى قوى بلا مستقبل، ولا تمتلك أى بديل إلا الاحتجاج والشتائم، وتمثل الوجه الآخر لنماذج البلطجة المؤيدة، وكأنهما فولة وانقسمت نصين.
أما النموذجان الآخران فهما الأكثر أهمية وتأثيراً فى المجتمع المصرى، وتمثّلا فى إصلاحيين أو ثوار (بمعنى تقديم وبناء البديل وتوسيع المساحات السياسية، لا فقط الاحتجاج والرفض) شاركوا فى المؤتمر، وطرحوا وجهة نظر نقدية لكثير من الأوضاع الحالية، يقابلهم معارضون آخرون لم يعترضوا على مبدأ الحوار، إنما رفضوا المشاركة فى المؤتمر، لأنه عديم الجدوى على ضوء شواهد سابقة.
وهنا فإن الخلاف بين هذين التيارين وارد، لكن الصدام غير وارد، فهما أقرب لبعضهما البعض، رغم الخلاف على تقدير جدوى مؤتمر شرم الشيخ، وفى تقديرنا أن المشاركة والاشتباك مع الواقع كانت هى الخيار الأسلم.
المفارقة المؤسفة أن أحد أبرز من واجهتهم سهام النقد هو محمد عبدالعزيز، أحد رموز ثورة يناير، وأيضا أحد قيادات حركة تمرد، الذى كان حاضراً فى الصورة الشهيرة عشية إلقاء بيان 3 يوليو مع الرئيس السيسى، أى أنه كان لديه فرصة مؤكدة أن يستثمر هذه «اللقطة» التاريخية فى صنع مستقبل سياسى، معتمدا فيها على أدوات الحكم الجديد.
والحقيقة أن الرجل فعل العكس، فاختار أن يلتحق بحملة حمدين صباحى، رغم أنه كان يعلم بالنتيجة مسبقا، وأن المرشح الناجح هو عبدالفتاح السيسى، مثلما علقت صحيفة «الأخبار» اللبنانية فى صدر صفحتها الأولى: «الشعب المصرى ينتخب الرئيس»، ثم بعد ذلك اختار أن يترشح على المقعد الفردى، لا أن يلتحق بقوائم النجاح مثلما فعل بعض زملائه الشباب، ويقيناً فإن مشاركته فى مؤتمر شرم الشيخ وطرحه فى جلسته الثانية (لأن الجلسة الأولى كان أداؤه فيها غير جيد) لقضايا مهمة بجرأة وشجاعة واضحة تحسب له وتعكس قناعاته واختياراته التى يجب أن تُحترم حتى لو اختلف معها البعض.
إذا أراد المؤيدون والرافضون للمؤتمر أن يقدموا نموذجا مختلفا لممارسات السلطة غير الديمقراطية، فعليهم احترام اختيارات كل طرف واعتبار التنوع الفكرى والسياسى جزءاً من حالة أى مجتمع شاب أو غير شاب، فكيف يتهمون الحكم كل يوم بأحادية الممارسة والتفكير، وهم بلا أى سلطة، يمارسون إقصاءً وتخويناً لمجرد خلاف فى تقدير المواقف.