بقلم - عمرو الشوبكي
قرار الرئيس التونسى الباجى قائد سبسى بفك التوافق مع حركة النهضة التونسية كان يمكن اختزاله فى أعقاب الثورة التونسية بأنه تجسيد للاستقطاب المدنى العلمانى، وأنه بداية صراع مفتوح على الهوية ومدنية الدولة بين تيار مدنى علمانى متجذر وبين التيار الإسلامى.
وإذا كان من الصعب تجاهل الجانب الفكرى بالكامل كأحد أسباب فك الشراكة بين الرئيس التونسى وبين النهضة إلا أنه ليس السبب الرئيسى وراء إنهاء 5 سنوات من التوافق السياسى بين الجانبين.
والحقيقة أن أهمية تجربة تونس وأحد أبرز جوانبها الإيجابية (رغم بعض الإخفاقات) هو نجاحها فى تحويل «صراعات الوجود»، فى كثير من البلدان العربية، بين التيارات السياسية الرئيسية، خاصة بين التيارات المدنية والإسلامية إلى صراعات سياسية تقبل بالحلول الوسط والمناورات المتبادلة.
والحقيقة أن فك التوافق بين نداء تونس الذى يعبر عنه الرئيس وبين حركة النهضة جاء عقب تأييد الأخيرة لرئيس الوزراء يوسف الشاهد المجمدة عضويته فى النداء عقب خلاف عميق مع نجل الرئيس التونسى حافظ السبسى الذى يقود حزب نداء تونس والطامح فى خلافة أبيه فى رئاسة الجمهورية. والحقيقة أن النهضة قررت أن تدعم يوسف الشاهد لكى يستمر فى رئاسة الحكومة على خلاف رأى معظم أعضاء نداء تونس، وأعلنت أن نوابها سيصوتون لصالحه لكى يستمر كرئيس للوزراء.
والحقيقة أن هناك تذمرا لدى قطاعات واسعة من المجتمع التونسى من أداء رئيس الحكومة ومن تفاقم الأزمة الاقتصادية، ولأن النهضة لم تعط طوال تاريخها اهتماما بالقضايا الاجتماعية فركزت على مصلحتها السياسية فى إضعاف نداء تونس بدعم انشقاق أحد قادته (أى الشاهد)، ثم دعمها له كرئيس حكومة، ثم من الوارد أن تتخلى عنه مستقبلا بعد أن تحقق هدفها وهو انقسام النداء.
فك التوافق بين الرئيس وتياره، وبين حركة النهضة جاء على أرضية المصالح السياسية أكثر منه خلاف عقائدى رغم أن هناك تصريحا سابقا للرئيس التونسى يقول فيه: «قد نكون أخطانا فى التقييم بأننا يمكن أن ننجح فى تقريب النهضة لخانة المدنية».
ومع ذلك فقد تخلت حركة النهضة بعملية شديدة عن الدفاع عن قضايا الشريعة أكثر من مرة، وما اعتبرته قوى تقليدية ودينية كثيرة فى تونس من «الثوابت الدينية»، فقد كان موقف النهضة من ملف شديد الحساسية مثل المساواة فى الإرث بين الرجل والمرأة أقرب للتأييد أو الحياد ولم تعارض قرار الرئيس التونسى وتركت معارضته لتيارات محافظة واسعة داخل المجتمع التونسى.
فك التوافق مع النهضة قد يكون طلاقا مع الرئيس وانفصالا عن تياره لأنه ربما تأتى مرحلة ليست بعيدة وتتخلى النهضة عن رئيس الحكومة الذى تدعمه الآن نكاية فى منافسها نداء تونس، وهكذا تدور الدوائر.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع