بقلم : عمرو الشوبكي
من الصعب على أى مجتمع يعانى من الإرهاب أن يدفن رأسه فى الرمال ولا يعتبر أن حربه ضد الإرهاب تتطلب إجراءات استثنائية وقيودا على حرية الرأى والتعبير وحقوق الإنسان.
فقد فرضت فرنسا قيوداً على حقوق الإنسان واتخذت إجراءات استثنائية فى مواجهة الإرهاب الذى ضربها من أجل حماية مواطنيها وأمنها القومى، وفعلت أمريكا ما هو أكثر عقب اعتداءات 11 سبتمبر من إجراءات استثنائية وملاحقات أمنية، وكذلك فعلت بريطانيا التى تعيش حاليا تحت وطأة الدهس والدهس المضاد.
والحقيقة أن الفارق بين ما يجرى عندنا وما جرى عند غيرنا، أن فى الأولى القيود والملاحقات الأمنية تطال أصحاب الرأى والتوجه السياسى المختلف، وليس الإرهابيين أو المشتبه بوجود علاقة لهم بالإرهاب.
فحين يتم إيقاف 10 أشخاص فى فرنسا ومثلهم فى لندن للاشتباه بعلاقتهم بالجماعات الإرهابية لا يعتقلون، لأن لهم رأيا سياسيا مخالفا للرئيس الجديد إيمانول ماكرون، ولأن هناك ضابطا فى أمن الدولة حلف بالطلاق أن يؤدب هذا الشاب، لأن «شكله مش عاجبه»، ولا توجد فى هذه البلاد أذرع إعلامية تطلق لتلفيق التهم ضد المعارضين بأوامر من أجهزة الدولة.
الفارق واضح بين اتخاذ إجراءات استثنائية للحفاظ على سلامة شعب من خطر الإرهاب، وبين اتخاذ إجراءات استثنائية لملاحقة كل من يقول كلمتين ضد الحكم على الفيسبوك لا علاقة لهم بالإرهاب.
ما علاقة محاربة الإرهاب باعتقال عشرات الشباب الذين أبدوا معارضتهم للتنازل عن تيران وصنافير أو اعتقال مناضل سياسى، مثل كمال خليل، الذى تجاوز عمره 70 عاما، لأنه دعا للاعتصام فى مواجهة اتفاقية ترسيم الحدود، هؤلاء باليقين ليسوا إرهابيين.
صحيح هناك من المؤيدين العقلاء من اعتبر هؤلاء شتّامين وليسوا معارضين وعرض نماذج لتعليقات فيها سب وقذف وتخوين لمن فى الحكم، وهى أمور مرفوضة مهما كان قائلها، ولكنهم نسوا أو تناسوا أن هناك من المؤيدين للنظام الذين ينتمون لفئة المحصنين ترك لهم الحبل على الغارب لشتم الناس كل يوم، وفى أحيان كثيرة يتطاولون على من فى الحكم، ومع ذلك يتركون لأن دورهم مطلوب ويمكن إطلاقهم فى أى وقت على خلق الله.
فمسطرة العدالة فى مصر غائبة، ومحاسبة المخالفين وتطبيق القانون وأحكام القضاء تتم بشكل انتقائى وحسب الأهواء وبصورة غير مسبوقة.
معركتنا ضد الإرهاب حقيقية وكبيرة ولا أفهم كيف تفتعل الدولة معركة أخرى بهذه القسوة مع معارضين سلميين وتترك معركتها الرئيسية ضد الإرهاب والإرهابيين، وتفترض أن محاربة الرأى الآخر وإغلاق النقاش العام حول قضايانا السياسية والاقتصادية من التحول الديمقراطى المعطل، مرورا بالمشاريع القومية الكبرى المثيرة للجدل، وانتهاء بالأداء الحكومى الكارثى فى ملف تيران وصنافير سيجعلها تنتصر فى معركة التنمية ومحاربة الإرهاب.
إذا استمر هذا الخلط بين حصار داعمى الإرهاب وحصار داعمى الديمقراطية فإن هذا يعنى أننا لن ننتصر فى حربنا ضد الإرهاب.
العفو الرئاسى على المحبوسين أمر جيد ويجب أن تسبقه سياسات جديدة توقف سيل الملاحقات الأمنية بحق شباب أحزاب مدنية، ومهما كانت درجة خلاف الدولة معهم فهم فى النهاية أصحاب رأى يجب على أى نظام سياسى أن يناقشهم أو يواجههم برأى آخر لا بالاعتقال.