توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

متى تنتصر المقاومة؟

  مصر اليوم -

متى تنتصر المقاومة

عمرو الشوبكي

حين كتبت فى 15/ 5/ 2008 مقالا بعنوان «نهاية تجربة حزب الله» عقب دخول الحزب فى مواجهات مسلحة مع عناصر سنية وحرقه ممتلكات عامة وخاصة ومؤسسات إعلامية، لم أسر مع الخطاب السائد للمعارضة المصرية التى كنت أنتمى إليها، واعتبرت أن مهمة الكاتب والباحث هى طرح الأسئلة النقدية وليس السير فى الصف وترديد ما يقوله إخوانه أو رفاقه أو أصدقاؤه.

وأذكر أن هذا المقال أثار ردود فعل غاضبة لدى بعض الأصدقاء حين كان نقد المقاومة من المحرمات، وحين كان البعض يحسب حساباته باتخاذ موقف عكسى من النظام الحاكم حتى لو كان هذا الموقف ليس له منطق أو أساس، فطالما مبارك لم يكن يحب حزب الله فإن مهمة المعارض أن يؤيد حزب الله والعكس صحيح.

وقد جاء فى هذا المقال على سبيل التذكرة والتأمل فى وقتنا الحالى: أن الحرب التى دخلها حزب الله فى يوليو ٢٠٠٦ ضد إسرائيل لم تكن بريئة تماماً أو لوجه الله والوطن، وأنه كان من أهدافها الرئيسية تغيير ميزان القوى الداخلى، وفتح الباب أمام حزب الله للهيمنة على النظام السياسى اللبنانى، مستغلا صموده أمام آلة الحرب الإسرائيلية، وعدم توقعه- كما قال زعيمه- عنف الرد الإسرائيلى.

والمؤكد أن تجربة حزب الله «ما بعد المقاومة» لا تختلف كثيرا عن تجارب نظم وتنظيمات سياسية وعقائدية كان لديها، فى فترة من الفترات، حلم ونقاء ثورى، وبعضها ناضل ضد نظم مستبدة، والبعض الآخر ناضل ضد احتلال أجنبى، وبعد وصولهم إلى السلطة تحولوا إلى نظم استبدادية بامتياز.

فحين يطالب مواطن عربى أو لبنانى، أحب حزب الله، بالديمقراطية والسلم الأهلى، يقال له: اصمت لأننا نقاوم العدو الصهيونى، وحين يرغب آخر فى أن يعيش اللبنانيون مثل باقى شعوب الأرض بسلام يقال له: اخرس أنت عميل لأمريكا وإسرائيل. تماما مثلما فعلت نظم الاستبداد العربى حين لم تسمح لأحد بأن يتنفس، على اعتبار أنها نظم صامدة تخوض معارك تحرير وهمية بالشعارات، وليس فى الواقع.

لقد تناسى حزب الله أن مقاومة إسرائيل الحقيقية ستأتى حين يصبح لبنان نموذجاً للتعايش المذهبى والازدهار الاقتصادى والديمقراطية السياسية، ويصبح بالتالى، أو النتيجة، هو الطرف الذى يجب أن يكون الأكثر إصرارا على خلق هذا النموذج، وأن يقدم أكبر تنازل ممكن تجاه الأطراف الأخرى، لأنه هو الوحيد الذى احتفظ بسلاحه بعد التحرير، ولكنه فعل العكس تماما، وتجاهل أن قبول معظم اللبنانيين استثناءه كان راجعاً لوجود دولة عدوانية مجاورة، اسمها إسرائيل، وليس من أجل قتل خصومه السياسيين والاعتداء على ممتلكاتهم.

لقد أخرج حزب الله طاقة من الكراهية والتعصب تجاه كل الطوائف اللبنانية، وتحوّل سلاحه إلى سلاح ضد الشعب، وعلى كل من يتوهم أن حزب الله قادر، بعد ما جرى فى بيروت، على أن يطلق طلقة واحدة على إسرائيل أن يراجع حساباته، فقد تحول إلى نموذج مكرر لكل نظم الصمود والتصدى التى عرفناها فى العالم العربى على مدار العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضى، واجتهدت جميعها فى محاربة بعضها البعض، رغم أن هدفها كان محاربة إسرائيل، ولم تطلق عليها طلقة واحدة.

والحقيقة أن ما قلته كان استشرافا للمستقبل بالقول منذ 8 سنوات «إن من يتوهم أن حزب الله قادر، بعد ما جرى فى بيروت، أن يطلق طلقة واحدة على إسرائيل أن يراجع حساباته».. ودارت الأيام، واكتشف الكثيرون أن حزب الله لم يطلق منذ 2006 طلقة واحدة على إسرائيل بعد أن حارب خصومه فى لبنان وانتقل للدفاع عن النظام السورى فى جهاد شيعى مقدس ضد معارضى النظام الذين وضعهم جميعا فى سلة «المعارضة التكفيرية»، وتفرج مثل باقى النظم العربية على إسرائيل حين دكت غزة مرتين فى 2008 و2014 مكتفيا برفع شعارات المقاومة من أجل مكاسبه الداخلية.

والحقيقة أن مشهداً مشابهاً لما جرى فى تجربة حزب الله تكرر مع حماس مرتين: الأولى فى مواجهات 2008 مع إسرائيل عقب سيطرة الحركة بالقوة المسلحة على قطاع غزة، وقتل ومطاردة واعتقال كثير من رجال فتح، بما يعنى أن الجبهة الداخلية الحاضنة لمشروع المقاومة لم تكن داعمة بشكل كامل لحماس حتى لو اضطر الجميع إلى الوقوف صفا واحدا فى مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.

وكررت حماس نفس الأسلوب فى معركتها الحالية بعد أن اتهمت بالمشاركة فى خطف وقتل 3 مراهقين إسرائيليين، وبدأت إسرائيل هجماتها العدوانية على غزة، وردت حماس بإطلاق صواريخها باتجاه المدن الإسرائيلية، وسقط ما يقرب من 2000 شهيد فلسطينى فى مقابل حوالى 60 جنديا إسرائيليا، واعتبر أنصار الإخوان فى مصر أن ما تقوم به حماس مقاومة ناجحة، ولم يخرج مثقف إسلامى واحد ليقدم قراءة نقدية لهذا النمط من وسائل المقاومة العشوائية الذى فشل فى تحقيق أى مكاسب سياسية.

والحقيقة أن ما جرى فى مصر منذ بدء العدوان الإسرائيلى على غزة كان محاولة لتصفية الحسابات السياسية بين أنصار الرئيس المصرى وخصومه، وتاه جوهر القضية: هل هذا النمط من المقاومة فى هذا التوقيت وفى هذا السياق يحقق أى مكاسب للشعب الفلسطينى، أم هو تكرار لنفس الأساليب القديمة فى المغامرات المسلحة التى تقوم بها فصائل سياسية وفق حساباتها الضيقة (كما جرى مع حماس وحزب الله) ويدفع ثمنها الأبرياء والمدنيون كما جرى فى لبنان وفلسطين؟

كان متوقعا من كتاب ومفكرين إسلاميين كبار (مثل فهمى هويدى وآخرين) أن يختاروا المراجعة النقدية لأساليب المقاومة المسلحة، ليس ارتماء فى أحضان المسار السلمى الذى توقفت إنجازاته عند اتفاق أوسلو وعودة السلطة الفلسطينية إلى أراضى الضفة الغربية وقطاع غزة، إنما فى بحث خيارات جديدة أمام الشعب الفلسطينى لا تدافع عن حماس فى جميع الأحوال لأنها تقول إنها مقاومة.

نعم.. مصر بحاجة إلى دور أكبر واجتهادات أكثر جرأة فى التعامل مع الواقع السياسى، المحلى والعربى، من قبل أحزاب معارضة، سواء كانت مدنية إسلامية مثل مصر القوية، والتى خرج بعض قادتها على تجربة جماعة الإخوان المسلمين، أو أحزاب وتيارات سياسية مدنية خرجت من رحم ثورة 25 يناير مثل الدستور.. أن تقدم قراءة مختلفة عما هو سائد داخل التيار الإسلامى الإخوانى والتيار الثورى فى ترديد نفس شعارات الشجب والإدانة لكل النظم العربية والإشادة بالمقاومة البطولية التى يسقط بسببها آلاف الفلسطينيين دون تحقيق أى مكاسب للقضية الفلسطينية.

المقاومة ستنتصر إذا كانت كل طلقة تطلقها تصب فى صالح إنجاز سياسى، وليس بالضرورة الانتقام من العدو أو إيلامه، لأنه قادر فى كل مرة على إيلامنا أكثر، كما أنها تتطلب أيضا بيئة سياسية حاضنة، تتوافق على خيار المقاومة وتجعله خيار أمة وليس حسابات فصيل. فالمقاومة الفلسطينية لكى تنجح عليها ألا تعيد تجربة حزب الله فى 2008 فى التورط فى المواجهات الداخلية فينتهى بعدها دورة المقاوم، إنما المطلوب أن تعيد اللحمة الوطنية داخل البيت الفلسطينى، وأن يتم دعم حكومة الوحدة الوطنية، وأن تنهى حماس اختطافها لغزة بالقوة المسلحة وفصلها عن الضفة الغربية، وأن تجرى انتخابات فلسطينية جديدة تقدم نموذجا سياسيا يليق بتضحيات الشعب الفلسطينى.

المقاومة القادمة يجب أن تكون مدنية وسلمية، تعيد للعالم صورة انتفاضتى 1987 و2000 فى ظل ضغط سياسى وقانونى مستمر (عربى ودولى) على إسرائيل حتى تلتزم بقرارات الشرعية الدولية، وتقبل بدولة فلسطينية عاصمتها القدس، وسيبقى خيار المقاومة المسلحة خيارا استثنائيا واضطراريا فى يد الشعب الفلسطينى وليس حركة حماس، يمكن أن يلجأ إليه فى حال فشل كل الخيارات الأخرى، وبعد أن يبنى الفلسطينيون مشروعا وطنيا داخليا قويا وديمقراطيا.

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متى تنتصر المقاومة متى تنتصر المقاومة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon