عمرو الشوبكي
مدهشة بعض تصريحات وزارة الخارجية المصرية، حين تتعامل مع بعض ما يقال حولنا أو ضدنا بجمل مكررة منذ أيام مبارك مثلما جرى مع تصريحات أردوجان الأخيرة.
وقد سبق أن فتح موضوع أردوجان مرة على صفحات «المصرى اليوم»، حين كتب الأستاذ سليمان جودة عموداً علق فيه على تصريح لوزارة الخارجية عن أن أردوجان لا يفهم ما يجرى فى مصر، وكان رد زميلنا أنه يفهم جيدا ويعنى ما يقول، وتكرر نفس الأمر مرة أخرى فى لقاء جمعنا بوزير الخارجية المصرى، حيث أكدنا أن ما يقوله أردوجان هو تعبير عن رؤية سياسية مغايرة، ولا يجب أن تظل ردودنا أنه يتطاول علينا ويردد افتراءات (كما جاء فى البيان الهزيل الأخير).
والحقيقة أن قضية أردوجان تعكس خللاً كبيراً فى طريقة تعاملنا مع الخارج، وتؤكد استحالة الاستمرار فى منطق أن أردوجان لا يفهم ونحن نفهم، وأنه شرير ونحن طيبون تماما مثلما نتصور أنه مهما أعلنا أننا نرفض أى تدخل فى شؤوننا الداخلية، فإن العالم سيتوقف عن الحديث فى شؤوننا الداخلية.
فمصر مثلها مثل أى دولة فى العالم تجرى فى داخلها أحداث هى مسار اهتمام العالم، وبما أننا نقول صباحا ومساء إننا دولة محورية، فعلينا أن نتوقع نقاشا، وأحيانا نقدا لمسارنا السياسى الذى رفضه البعض وأيده البعض الآخر وتعاملت معه الغالبية.
فمن قال إن أى انتهاكات تجرى فى مصر لن تجد ردود فعل دولية؟ ومن قال إن كل هذه الردود برىء، فبعضها دون أدنى شك يعكس موقفا مبدئيا وتحركه دوافع إنسانية نبيلة، وبعضها الآخر يوظف المبدئى لصالح أغراض السياسة وحساباتها.
فأمريكا تحدثت وستتحدث عن الأوضاع الداخلية فى مصر وباقى الدول المهمة، ومهمتنا عدم المكابرة ومواجهة أى انتهاكات فى ملف حقوق الإنسان، من أجل الشعب المصرى وليس من أجل أمريكا، أما إذا كان هذا الحديث هو حديث «مسيس» على طريقة إعطائنا دروساً فى الديمقراطية واعتبار الإرهاب اجتهادا فكريا وسياسيا، فإن الرد يجب أن يكون سياسيا بالقول ماذا فعلتم فى العراق وأفغانستان وهل قدمتم نموذجا واحدا ناجحا فى فرض الديمقراطية؟ وليس بترديد نفس الجملة البليدة التى لا تعنى شيئا، لأنها بديهية: «نرفض التدخل فى شؤوننا الداخلية»، لأنك مهما قلت فإنهم سيتدخلون وسيظلون يتدخلون، بل إن أمريكا غيرت دولاً بالتدخل السياسى، ودمرت أخرى بالغزو المسلح.
الرد على أردوجان يجب أن تحكمه رؤية سياسية مقابلة، وإذا جاء من وزارة لها تقاليد مثل الخارجية، فسيعنى أولاً أنه لن يحمل أى إساءة للشعب التركى الشقيق، ولن ينجر إلى كلام المقاطعة الاقتصادية (مع بلد أكثر تقدماً منا) وقطع العلاقات وغيرهما من الكلام المسىء لمصر أكثر من تركيا.
مصر تحتاج أن تقول لمن يدَّعِى أنه راعى دول الربيع العربى والديمقراطية: كفى، فأنت مبارك جديد فى تركيا، لقد بقيت فى السلطة 12 عاما كرئيس وزراء، وغيرت الدستور لتصبح رئيس جمهورية له الحق أن يبقى فى السلطة 10 سنوات، أى أنك وأنت تجاوزت الستين عاماً تنوى البقاء فى السلطة 22 عاما لتصبح نموذجا للحاكم المستبد! فهل هناك بلد ديمقراطى يمكن أن يبقى فيه حاكم 22 عاما فى السلطة ويعطى لباقى الدول دروساً فى الديمقراطية؟! لا أعتقد ذلك، مهما كان النجاح الذى حققه رجل مثل أردوجان فى بداية حكمه، قبل أن يسقط فى غواية السلطة.