عمرو الشوبكي
على الرغم من تراجع موجة الإرهاب فى الأشهر الأخيرة مقارنة بما جرى فى أثناء حكم الإخوان وفى الأشهر الأولى التى أعقبت سقوطهم، إلا أن هذا لا يمنع أن خطره لايزال قائما والتحديات التى يفرضها على المجتمع مازالت كبيرة.
صحيح أن الإرهاب فى مصر لن يسقط نظاما ولن يهدم دولة، ولكنه قادر على أن يعثر نظاما، وأن يوقف تقدم دولة، ولذا فإن تصور أن المواجهات الأمنية وحدها قادرة على أن تقضى على الإرهاب الحالى فى مصر، وتفتح الباب أمام نظام مستقر وقادر على الإنجاز أمر غير صحيح.
والواقع أن الإرهاب الذى تشهده مصر الآن نوعان: الأول هو امتداد للجماعات التكفيرية والجهادية التى عرفتها مصر منذ بدايات الألفية الثالثة، أو ما سبق ووصفته الموجة الثانية من جماعات العنف (بعد انكسار الموجة الأولى التى قادها تنظيما الجماعة الإسلامية والجهاد منذ السبعينيات وحتى مبادرة وقف العنف فى عام 1997)، بظهور الخلايا العنقودية صغيرة العدد، خاصة فى سيناء متأثرة بنموذج تنظيم القاعدة.
وقامت هذه الخلايا الإرهابية الجديدة بعمليات عدة فى طابا وشرم الشيخ والحسين طوال العقد الماضى، وعملت على الانتقام من النظام القائم أو إيذائه، وهو أمر يختلف اختلافا كبيرا عن الهدف الذى قامت على أساسه الموجة الأولى من الجماعات الجهادية، التى سعت إلى إسقاط النظام الحاكم، الأمر الذى استلزم بناء تنظيم عقائدى محكم العضوية محدد الأهداف، على عكس الحلة الانتقامية التى خلقت خلايا نائمة وأخرى شبه نائمة لا رابط تنظيمى محكم بينها ولا تعرف عنها الكثير أجهزة الأمن المحلية والعالمية.
ومع وصول الإخوان للسلطة قدموا حاضنة سياسية لهذه التنظيمات الجديدة، وساعدوا على تبلورها فى بناء تنظيمى أكثر إحكاماً واتساعاً من الخلايا الصغرى التى شهدناها من قبل، ودون أن يرقى إلى مستوى التنظيمات الجهادية الكبرى التى عرفتها مصر فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، فظهرت جماعة أنصار بيت المقدس المسؤولة عن العمليات الإرهابية الأكثر دموية واحترافية، سواء فى سيناء أو أمام مديريات أمن الدقهلية أو القاهرة كامتداد أكثر تطوراً لخلايا سيناء السابقة مع فارق رئيسى هو وجود دعم مادى ومعنوى ولوجستى من قبل جماعة كبيرة مثل الإخوان المسلمين.
أما النوع الثانى فهو إرهاب عناصر جماعة الإخوان المسلمين أنفسهم، والذين قاموا بتصنيع قنابل بدائية الصنع بعضها فجر فيهم، وكثير منها فجر فى أبرياء أو رجال شرطة وجيش، وصار تورط عدد ليس بالقليل من شباب الجماعة فى هذا الإرهاب الأسود أمرا واضحا، وتحريض قطاعات كبيرة من قادة الجماعة على العنف وتبريره ودفع الشباب للسقوط فيه صار حدثا مكررا.
وإذا كان إرهاب الجماعات الجهادية فى الثمانينيات واجهته الدولة بدور مؤثر لعلماء الأزهر ورجال الدين المستنيرين بصورة دفعت آلاف من أعضاء هذه الجماعات إلى مراجعة فكرهم، إلا أن السؤال المطروح الآن: هل يمكن إيقاف الإرهاب الحالى دون وجود أى مشروع فكرى لمواجهته؟ الإجابة بالتأكيد لا. إن هناك مسارين ينتجان الإرهاب فى مصر وليس مسارا واحدا كما جرى من قبل، أحدهما جهادى تكفيرى (أنصار بين المقدس وغيرها من الجماعات الصغيرة)، والآخر هو جماعة الإخوان المسلمين، وفى نفس الوقت لا يوجد خطاب دينى أو سياسى يخاطب أساسا الحاضنة الاجتماعية التى يجند منها هؤلاء خاصة المسار الثانى أنصارهم، فيحدثونهم كل يوم عن انقلاب 3 يوليو وعن مذبحة رابعة، وعن حكم العسكر، وغيرها من المفردات التى تتحدث عن مظلومية سياسية قادرة على استقطاب البعض، خاصة الشباب، ولا نجد أى مشروع فكرى أو سياسى مقابل يواجه المبرر السياسى للعنف، ويضعفه، ويجعل ممارسيه دون أى ظهير شبابى، وهذا تحدٍ لن تحله أجهزة الأمن مهما كانت كفاءتها.