عمرو الشوبكي
كما اعتدت مع رسائل الأستاذة فاطمة حافظ، الكاتبة المتخفية فى ثوب قارئة، أن أنشر كثيرا من تعليقاتها سواء تلك التى اتفقت فيها معى أو اختلفت، حيث اتسم جميعها بمضمون ومنطق يستحق المتابعة والاهتمام، ورسالتها الأخيرة كانت تعليقا على مقالى الأخير: «الحرب الثانية على الإرهاب»، وتضمنت:
تعليقاً على مقالكم (الحرب الثانية على الإرهاب)، أتفق معك تماماً فى وجود أسباب كثيرة ومركبة لظاهرة الإرهاب وتطورها الدموى حتى وصلنا إلى مرحلة داعش. ومع الاعتراف بوجود مظالم أمريكية وغربية، وكيل بمكيالين، لابد من عدم دفن رؤوسنا فى الرمال والتغاضى عن وجود أسباب خاصة بنا ثقافية وفكرية أدت إلى ظهور واستفحال هذه الظاهرة، وبالتالى استغلالها خارجياً وداخلياً أيضاً.
لا يعنينى ما ستفعله الولايات المتحدة، لأنها بالتأكيد سوف تعمل لمصلحتها فقط، حتى إن غرقت المنطقة كلها فى دمار أو انهارت تماماً، ما يعنينى هو ما سيحدث فى بلدى مصر، لأنه أولاً بلدى وبؤرة اهتمامى، ولأننى على يقين بأن الحل الثقافى والفكرى لابد له من أن يبدأ من مصر، وبالتالى ينتشر فى المنطقة تباعاً. ما يقلقنى أننى حتى الآن لا أرى سوى مواجهة أمنية فقط فى مصر للإرهاب، مع محاولات فكرية (فردية) للمواجهة تتمثل فى بعض الكُتَّاب أو البرامج التليفزيونية، إنما لا أرى ولا أشعر بأى تحرك من الدولة.
رغم تأكيد الرئيس السيسى أكثر من مرة على تطوير الخطاب الدينى، ولكننى لا أشعر حقيقة بأى تحرك أو فعل سوى محاولات وزير الأوقاف منع غير الأزهريين من الخطابة على المنابر وتصديه المحمود للمتطرفين. ولكن هل منع غير الأزهريين من الخطابة سيضمن عدم نشر أفكارهم بطرق أخرى؟ وهل الأزهريون الحاليون أصلاً محصنون ضد الأفكار الداعشية؟ فعندما أشار البعض إلى مناهج الأزهر وما يشوب بعضها من أفكار رجعية أحياناً، وغير علمية فى كثير من الأحيان ومتطرفة فى الكثير أيضاً من الأحيان، ثار الأزهريون ثورة عارمة، وهبوا للدفاع عن أنفسهم ومناهجهم، وهاجموا كل من انتقد الأزهر، بينما لم أر أى تصد حقيقى منهم للفكر الداعشى ومن يشجعونه (هنا أسجل اختلافى مع أ. فاطمة، فهناك تصد واضح للأزهر للفكر التكفيرى بشكل عام وفكر داعش الإرهابى بشكل خاص)، وكرروا بيانات من نوعية (الإسلام دين السماحة)، و(الإسلام سبق التشريعات الدولية فى حضه على حقوق الإنسان)، و(هذه الأفعال ليست من الإسلام).
أملى أن أعرف إلى مَن تُوَجَّه هذه التصريحات بالضبط؟ إلى المسلمين حتى يَتَثَبَّتُوا من دينهم؟ أم إلى غير المسلمين الذين يرون صباح مساء صور قطع الرؤوس والتنكيل والتمثيل بالجثث؟ أم إلى العالم من حولنا الذى يصحو وينام على صور قطع رؤوس مواطنيه؟ أكيد طبعاً عندما سيسمع أى من هؤلاء تصريحات الأزهر سيصدقه بالتأكيد، وينسى فى لحظة الصور البشعة التى يراها كل يوم!
لم يوصلنا إلى داعش إلا الجهل والتخلف ومنع الناس وإرهابهم من التفكير والنقاش الحر، بالإضافة إلى التأكيد المستمر على أننا خير أمة وأعظم حضارة، وشعب متدين بالفطرة، فلا لزوم للقراءة ولا التثقيف ولا التعلم، فنحن لا نحتاج أى علم (إحنا حلوين كدة)!
أتمنى على الدولة دعم المفكرين المستنيرين والبرامج التنويرية التثقيفية، ووضع استراتيچية للتنوير، وعدم الوقوع فى خطأ التسعينيات عندما تركت الدولة الجهلاء يغتالون ويُهاجمون ويُرهبون المفكرين، واكتفت بمحاربة الإرهابيين أمنياً والمزايدة عليهم دينياً. أتمنى ألا نظل دائما نلف فى حلقة مفرغة، فالتنوير ليس ترفاً الآن.