توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشيطان يكمن فى التفاصيل

  مصر اليوم -

الشيطان يكمن فى التفاصيل

عمرو الشوبكي


معضلة مصر ليست فقط وربما أساسا فى الثنائيات الكبرى: النظام القديم والجديد، المشاريع الكبرى والصغرى أو لا مشاريع، الاشتراكية والرأسمالية، الناصرية والوفد، إسقاط النظام أم إصلاحه، وشعارات من نوع الحرب على الإرهاب والفساد والتسيب، هى كلها جانب من مشاكلنا، ولكنها تنسى أو تتناسى أن جوهرها فى تفاصيل الصورة، حيث تكمن الصعوبة، ويقبع الشيطان.

البعض يطالب الحكم بمواجهة ضارية مع الإرهاب، والبعض الآخر يشكو من التسيب وغياب الأمن فى الشوارع وانتشار العنف والبلطجة، وكثيرا ما استدعى الرئيس وزير الداخلية للتشديد على ضرورة تنفيذ تلك المطالب، والأمر نفسه ينسحب على وزارات أخرى خدمية كالتموين وغيرها، حين نسمع يجب أن «نضرب بيد من حديد على التجار الجشعين والمستغلين»، وحبس كل من لا يلتزم بالتسعيرة الجبرية وغيرها، وكثيرا ما نسمع أيضا أن حل مشكلة التعليم سيبدأ فى بناء مزيد من المدارس وزيادة عدد المدرسين، وأن مشاكل الجامعة لن تحل إلا إذا ابتعد الطلاب عن النشاط السياسى، وكانوا منضبطين يستيقظون مبكرين لمحاضراتهم، ويذاكرون فى المساء لينجحوا، وكفى المؤمنين شر القتال.

مشاكل مصر لن تحلها فقط المشاريع الكبرى على أهميتها، إنما أيضا نمط جديد من علاقات العمل ينظر إلى تفاصيل المشهد، وعلاقة رأس المال بالنظام السياسى ومعوقات الاستثمار، وطبيعة القوانين التى تنظم سوق العمل وغيرها الكثير.

الحقيقة أن معضلة مصر الأساسية أنها عاشت تقريبا طوال 30 عاما فى ظل «لا نظام» فلم تكن القضية أننا نعيش فى ظل نظام اشتراكى، وقررنا أن نتحول نحو الرأسمالية أو العكس، إنما كنا نعيش فى ظل «لا نظام» وعرفنا جهازا إداريا مترهلا محدود الكفاءة وقوانين بالية لم يحاول أحد إصلاحها، وعشنا فى ظل شعارات عامة عن الأمن والأمان والاستقرار كفلسفة للنظام الأسبق، ودون أى دخول فى تفاصيلها.

صحيح أن مصر تحتاج إلى تطبيق رادع للقانون فى مواجهة التسيب والإهمال، ولكن السؤال: لماذا يوجد إهمال وتسيب؟ وهل مواجهته «بشد الوزير» أو المسؤول، أم بفتح الباب تدريجيا للدخول فى «عش الدبابير» الموجودة فى كل مؤسسة أو وزارة؟

إذا أخذنا الداخلية مثلا، فهل سيفتح ملف التفاوت الكبير فى رواتب الضباط حسب الأماكن (أغلبها ليس الأماكن الخطرة أو فرق مكافحة الإرهاب)، وعلاقة أمناء الشرطة وأفراد الأمن بالضباط هل هى علاقة صحية؟ وهل عملية اختيار ومحاسبة رجال الشرطة تحتاج إلى مراجعة؟ وهل نقص التسليح عند الأفراد وبعض الأمناء يرجع فقط إلى ضعف الإمكانات، أم أن هناك نسبا كبيرة ومقلقة من فقد الأسلحة جعلت الداخلية أكثر حذرا فى موضوع زيادة تسليح الشرطة؟

التحدى ليس فى ترديد شعارات محاربة الإرهاب ومواجهة التسيب والإهمال فى الشارع المصرى، وهى كلها شعارات براقة لا تسمن ولا تغنى من جوع، لأنك لن تستطيع أن تقوم بتلك المهام إلا إذا طورت المنظومة الشرطية من داخلها، وجعلتها فى وضع يسمح لها بالقيام بهذه المهام.

العناوين الكبيرة التى أدمنها الإعلام وجانب كبير من النخبة المصرية ليست هى الطريق القادر على حل مشكلات مصر المتراكمة.

ماذا سنفعل مع التعليم؟ هل نحن قادرون على أن تتحمل الدولة بمفردها مصاريف التعليم الحكومى، وبخاصة الجامعى؟ وهل نحن قادرون على أن نقول للطلاب الراسبين أو الميسورين يجب أن تشاركوا الدولة فى تحمل جانب من مصاريف التعليم، لأن معادلة مبارك الشهيرة كانت تقول خذوا «لا تعليم مجانى» واحصلوا على شهادات تبروزونها فى بيوتكم، والبطالة فى انتظاركم، وضحكنا عليكم بموضوع المجانية، وتأهل لسوق العمل خريجو المدارس والجامعات الأجنبية.

هل سنستطيع أن نقول صراحة إن من يدافع عن حقوق الطبقات الشعبية والفقيرة عليه ألا يخدعهم بتعليم متدهور، إنما يعطيهم تعليما جيدا، ويشارك الميسورين من الطلاب فى تحمل مصاريفه، وتعطى منحا دراسية لغير القادرين.

هل نحن فى حاجة لأن نختبر مستوى المدرسين فى التعليم الحكومى والخاص، وقادرون على أن نميز بين رواتبهم على ضوء نجاحهم فى اختبارات الترقى والتأهيل؟

الثورة الحقيقية هى فى كسر ثقافة «الموظفين الفشلة» والتمييز بينهم على ضوء كفاءتهم ونجاحهم فى هذه الاختبارات التى عُرفت باختبارات الكادر، وفشلنا فيها لأن نظرية «اشمعنى» والوساطة والمحسوبية قضت على الخطوة الأولى لإصلاح منظومة التعليم بإصلاح مستوى المعلمين، وبقى نظامنا التعليمى كما هو أسير العناوين الكبيرة، وبناء كم مدرسة، وهى قضايا مهمة، ولكنها ليست هى جوهر ما نعانيه من مشاكل.

مصر لم تنتصر فى حرب أكتوبر التى تقترب ذكراها الـ41 بأن اشترينا فقط مدرعات وطائرات وصواريخ، إنما اشتغلنا على تفاصيل المشهد، بدءاً من الخداع الاستراتيجى، مروراً بحل معضلة الساتر الترابى بابتكار مصرى، وانتهاءً بتحسين العلاقة بين الضباط والجنود، ودراسة أدق تفاصيل الحياة اليومية للمقاتلين، وتحسين جوانبها النفسية والمعيشية.

مصر عرفت هزيمة 67 القاسية، رغم أنها بدأت فى تشييد أهم مشروع لها فى تاريخها المعاصر، وهو السد العالى، وعرفت أهم زعمائها التاريخيين، وهو جمال عبدالناصر، وتصور البعض أننا نحتاج فقط إلى شعارات كبيرة وإلى مشاريع أكبر، ونترك تفاصيل الواقع المعيش من الرصيف الغائب، إلى إشارات المرور الموجودة على سبيل الزينة والديكور، إلى رجل شرطة ينام أثناء حراسته منشأة أو وقوفه على كمين، أو منظومة تعليم وصحة ونقل، نحن تحتاج إلى تغيير فى أدق التفاصيل بعيدا عن الصخب الإعلامى وعن الشعارات السهلة التى ترددها الحكومة كل يوم، وتفصلها تدريجيا عن المشاكل الحقيقية.

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشيطان يكمن فى التفاصيل الشيطان يكمن فى التفاصيل



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon