بقلم: فاروق جويدة
كان د.عبد المنعم القيسونى من أهم الشخصيات الاقتصادية فى تاريخ مصر الحديث، وقد تولى الوزارة أكثر من مرة وكان يتمتع بعلاقات مع الأوساط الاقتصادية فى العالم لم تتكرر، ومنها البنك الدولى وصندوق النقد والمؤسسات المالية وأهم البنوك فى العالم، كنت قريبا منه فى تلك الفترة التى خرج فيها من الوزارة حتى إنه افتتح مكتبا فى الشواربى بوسط القاهرة واعتدت أن أزوره فيه.. وفى شخصية د.القيسونى اجتمع التواضع مع الفكر مع الأمانة.. كنت أحيانا أزوره فى بيته فى مصر الجديدة، وذات يوم دعانى الأستاذ هيكل وسألنى متى رأيت د.القيسونى، قلت له منذ أيام، قال اذهب إليه فلديه أخبار مهمة..كنت أحيانا أزوره فى بيته ولا اجد أحدا ونجلس معا ونحكى فى كل شيء..وبعد حديث الأستاذ هيكل أخذت سيارتى الصغيرة وعندما اقتربت من بيت د.القيسونى رأيت الشوارع مغلقة والناس أمام الفيلا بالمئات، ووسط هذا الزحام استطعت أن أصل إليه وأصافحه وسألته ماذا هناك؟ قال جاءت فجاءوا..هذه هى الدنيا إن سعت إليك وجدت الناس حولك وإن بعدت عنك فلا شىء على الإطلاق.. يومها كان الرئيس الراحل أنور السادات قد أصدر قرارا بتعيين د.القيسونى رئيسا للبنك العربى الدولى وهو أول بنك استثمارى لا يخضع لقوانين وإجراءات الجهاز المصرفى فى مصر..واستطعت يومها أن أحصل على حديث قصير مع د.القيسونى حول البنك الجديد الذى شاركت فيه مجموعة من البنوك والمؤسسات المالية العربية..لقد بقيت فى ذاكرتى كلمة د.القيسونى وسط زحام الناس جاءت فجاءوا، رغم أنه قبل ذلك كان يقضى الساعات جالسا وحيدا سواء فى مكتبه فى الشواربى أو بيته فى مصر الجديدة..وتعلمت من هذا الدرس، ولهذا لم يعد يزعجنى أن أجد نفسى وحيدا بين أوراقى أو أن أتوقع سؤالا من أحد ولا يسأل أو أن تمضى الشهور وأنت تتمنى لو اتصل بك صديق قديم، يحدث هذا معى رغم أننى لم أمارس فى حياتى لعبة المناصب فلا فصلت من عمل ولا تمتعت من عطايا سلطة أو صاحب قرار لأنى دائما أخاف أن من يعط يستطع أن يأخذ ما أعطى إلا الله سبحانه الذى يعطى بلا حساب.