بقلم هشام البدري
يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ , وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿ 7, 8 الزلزلة﴾ .
الآية الكريمة تؤكد أن الحساب في الآخرة سيكون دقيقا للغاية .. بل هو متناهي الدقة .. وأن أعمال الإنسان سوف توزن بميزان شديد الحساسية .. حتى أنه لن يغبن أو يترك مثقال ذرة من خير .. أو مثقال ذرة من شر .. إلا ووزنها !.
كما يقول سبحانه وتعالى في آية أخرى :
- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ.......
﴿٢٢سبأ ﴾ .
فالله سبحانه وتعالى قد استخدم مثقال الذرة في قرآنه الكريم للتعبير عن تلك الدقة المتناهية في الأشياء .. عبر آياته التي نزلت منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام .. وفي وقت لم يكن الإنسان يعرف شيئا اسمه الذرة .. مشيرا بذلك إلى أن الذرة أصغر مكونات المادة الموجودة في عالمنا المادي .
ويأتي العلم الحديث بعد هذه الفترة الزمنية الطويلة .. وبعد أن تطورت وسائل البحث العلمي .. وتقدمت التكنولوجيا .. وتمكن الإنسان من رصد المادة ومعرفة مكوناتها .. ليثبت ويؤكد هذه الحقيقة العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم منذ هذا الزمن البعيد .. وبما لا يدع مجالا للشك .. أن الذرة هي وحدة المادة .. وأن المادة تتكون من الذرات .
ولقد ذهب القرآن الكريم في لمحاته العلمية المعجزة إلى ما هو أبعد من ذلك .. حيث أراد الحق سبحانه وتعالى أن يلفت نظر عباده المؤمنين إلى أن هناك أيضا ما هو أصغر من الذرة ذاتها .
فقال :
- ........ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3 سبأ ) .
أي أن الله سبحانه وتعالى لا يغيب عنه شيء في السماوات ولا في الأرض .. صغر كان أم كبر .. إلا أحصاه في كتاب دقيق .. حتى ولو كان هذا الشيء متناه في الصغر أي أصغر من الذرة نفسها .
وهي حقيقة علمية أخرى .. تأكد منها تماما الباحثون الذين يعملون في هذا المجال .. حيث أن الذرة التي هي وحدة المادة .. وأصغر مكوناتها .. تتألف نفسها و تتكون من عناصر هي بلا شك أصغر منها .. هذه العناصر هي الإليكترونات .. والبروتونات .. والنيترونات .. بنسب مختلفة .. حسب كل مادة .
وما كان للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول من تلقاء نفسه .. مثل تلك الحقيقة .. وغيرها من الحقائق العلمية التي جاءت على لسانه بالقرآن الكريم .. وهو الإنسان الأمي الذي لا يقرآ ولا يكتب .. والذي نشأ في بيئة صحراوية بدوية متواضعة .. وعصر ليس له أي نصيب من التقدم العلمي المرتبط بالتكنولوجيا .. وما كان له أن يخوض في مثل تلك المسائل العلمية الشائكة .. وهو يؤسس لمجتمع إنساني مؤمن .. تسوده الفضيلة .. والمساواة .. والقيم الأخلاقية السامية الرفيعة .
إلا أن يكون موحيا إليه من الله سبحانه وتعالى .. الخالق والصانع .. ورب العالمين .
وما هو إلا رسول مبلغ رسالة ربه .. وآياته إلى الناس كافة .
وصدق الله العظيم إذ يقول :
- فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ , وَمَا لَا تُبْصِرُونَ , إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ , وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ
قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ , وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ , تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
(38-43 الحاقة )