توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حييتُ بعدما متُّ

  مصر اليوم -

حييتُ بعدما متُّ

بقلم : الدكتورة تغريد ابو سرحان

أربعة أشهر مرَّت علي لا يعلم سرها الا الله جل في مكانه. حملت وجعي وهمي و خوفي من المجهول، و قررت أن أسير في رحلتي وحدي دون اقلاق احد او استثارة شفقة وعطف احد، و دون حزن او همّ او دموع لمن يحبني بصدق و اقصد خاصة اهلي و ابنائي. في احد الايام التي وجدت فيها و قل ان اجد وقتا للاسترخاء... استندت الى جدار الغرفة و بحلقت في السقف لدقائق، وما ان هممت بالاستناد لتسوية جلستي حتى عثرت على متطفل غريب...هذا الغريب كان اكتشاف لا يتمنى احد ان يعثر عليه...هذا الشيء جسم غريب في جسمي..صلب بارز بحجم حبة بقول صغيرة..له كل مواصفات الخباثة...انه هو السرطان الخبيث ...كيف عثر علي و انا التي لم تمرض ابدًا حتى بالصداع و لله الحمد..ما سر النقلة من الصحة الى السرطان ؟؟؟!!! قفزة لا يقبلها العقل و لن تتأقلم معها الحواس.

مليون سؤال في عشر ثوان و لكل سؤال مائة اجابة وشك...تمنيت لو لم اختلِ مع نفسي ابدا...تمنيت لو ان مشاغلي التهمتني كالمعتاد الى المدى الذي لا اجد فيه متسعا لاكتشاف جسدي و الدخلاء...اصفريت و اسوديت... نظرت الى الملاكين عن يميني و عن شمالي و لاول مرة اشعر بتشبثي بالحياة...لا ياربي لا اعتراض على خيارك لا، و لكن ملكيي  ما زالا صغارين و ما زالا بحاجة الي..بت الليلة و قد أدركت ان الوهن و اللاحيلة سيدتا المسيرة المقبلة لا محالة..مرت ايامي و بات الخبيث يكبر و بات التشبث بالعيش يقدم لي ما يقنعني على الصمود، و ان هذا الوهم سيزول و هذا الخبيث ساصحو يوما لاجده وقد تلاشى.. و لكن تقدمت الايام و الشهور و هذا الغريب لا يفتأ الا ان يزداد تطفلا و بروزا و كانه يتحدى شجاعتي و يختبر صبري... مشاغل كثيرة و ادعية و انكار امتدت لايام و شهور و كلما تفقدت جسدي بين امل في زواله فجأة و دعاء بالبقاء، اصابني الرعب، صرت الهي النفسي بأني سأدحر هذا الخبيث و ساواجه معركتي وحدي و سأسير الى مصيري بصمت، فلا داعي لكيماوي و لا عمليات جراحية و لا مواعيد و مراجعات لا تنتهي، و عندما يحين أجلي "سيأخذ الله وداعته بسلام" دون ان يدري احد، فالموت واحد و لا داعي لشرح الاسباب و لا لتحميل همي لمن قد يؤلمه المصاب.

و صرت اراجع مسيرة من شابهوني بالوجع و من هاجمهم الخبيث مبكرًا، لأجد ان متوسط حياتهم في مصارعته امتدت ما بين ثلاث سنوات الى سبع...وجدت في هذه المقاربات راحة كبيرة ، فان عشت ما معدله خمس سنوات هذا سيعطي اولادي مزيدًا من القوة لمواجهة الحياة و سيعطيني مزيدا من الطاقة لابني لهم ما استطيع اليه سبيلا طريقا هينا يساعدهم على المضي قدما بثقة و قوة.بعد الاتكال على رب العالمين ...

و سارت الايام...بعضها بطيء و بعضها منسي و بعضها الاخر قلق و يأس....وجع كلما نظرت الى عيون ملكيَّ لاراهما يتامى دوني و مرة أفكر فيما سيؤول له حالهما و هما اللذان يتنفسان النهار من صحوتي..و بين شد و جذب و سبر في بطن العم "غوغل" قررت قبل اسبوع ان اواجه الواقع و اذهب لمعاينة مرحلة مرضي على الاقل لاعد عدتي في الوقت المناسب قبل ان يداهمني حتفي و انا في غفلة....و في المشفى حدث كل شيء بسرعة عجيبة اختصرها بالفحص الاثقل لروحي الى فحص جهاز الرنيم المغناطيسي ال M.R.I حضرت صائمة كما طلب مني، ازلت كلما أضعه من معادن، ارتديت الملابس الخاصة، و بأمر الممرضة وضعت يدي على صدري و استلقيت فتحت عيوني قليلا، واذا بالجهاز يجثم فوق صدري و لوهلة هممت بالوقوف و الرجوع عن فكرتي المجنونة في الكشف المبكر، و كان شعوري تماما كذلك الشعور الذي طالما قرأنا انه ينتاب الميت عندما يودعه ذووه تاركين المقبرة. و لكن الجهاز جثم فوق عيوني و رأسي مباشرة و كانت تلك الاصوات التي يصدرها الجهاز توحي بانها أصوات يأجوج و مأجوج او اهل القبور المجاورة او الجن او اصوات اهل النار او مخلوقات لم أسمع بها من قبل، لحظات و رأيت نفسي جثة هامدة مسلمة الروح مغمضة العينين، و بأمر الممرضة ايضا سميت بالله و راح الجهاز يدخل في عمق الغرفة ببطء قاتل و في الظلام الذي يبتلع الغرفة ما شككت للحظة الا أنني في قبري.

استمرت العملية ربع ساعة أمضيتها في التسبيح و الاستغفار و الرعب يأكل جوانبي حتى انه في الخمس دقائق الاولى اصابتني "كحة" شديدة فظيعة كدت ان انادي على الممرضة في الغرفة المقابلة و التي تعاين الجهاز و تسجل الصورة و تراقبني من خلف الزجاج، و لكن و بذات الوقت كنت ادرك ان اية حركة او نداء او حتى صراخ لن يجدي نفعا لان صوت الجهاز يطغى على كل صوت و هكذا لن تسمعني الممرضة فاستسلمت لما سيحدث تماما كشعور ميت في القبر و الذي يستسلم لرصة القبر لانه يوقن ان اهله ذهبوا عنه الى غير عودة. بعد ربع ساعة من شعور و احاسيس موازية لمشاعر ظلمة القبر و وحشته و رصته ما فتحت خلالها عيوني و لا ثانية ، توقف الجهاز و انكتم صوته و حضرت الممرضة و وجدت نفسي انزلق الى الامام، وقفت الممرضة جانبي مبادرة : "الحمدلله ع السلامة" رفعت لها رأسي مبادرة الكلام باحسن منه "أشهد ان لا اله الا الله محمدا عبده و رسوله"، وقفت رغم شعوري بالدوخة و الغثيان و اللذين استدعيا الممرضة لتمسك بيدي قائلة: "هل انت بخير؟". اعتقدت اني ساتلقى النتيجة فورا لاعلم اني احتاج الى 84 ساعة اخرى من الانتظار و القلق و هوس البحث عن تشخيص. بعد 48 ساعة جاءني اتصال بضرورة مراجعة المستشفى و هذا حتما زاد مخاوفي لانه يتضمن اشارة بايجابية شكوكي و الا لكانوا ابلغوني بالنتيجة عبر الهاتف و انتهينا.

و أيضا اكلت الوساوس و التأويلات و الاحتمالات المليون من رأسي و من قلبي من ساعة مغادرة غرفة الفحص و حتى بعد ال 48 ساعة و انا اصعد الاربع درجات الى غرفة "طبيبة الاورام و الدم" كما عنون باب مكتبها.. سلمت و جلست دون الانتظار حتى تأذن لي و ماذا بعد انتظار الموت؟ لا حاجة للشعور بان نحسن مظهرنا و جوهرنا امام الاخرين ما دمنا ندرك ان السرطان يلتهمنا مسرعا بنا الخطى نحو الحفرة تاركا ما يتبقى للدود. مضى الوقت بطيئا قاتلا و هي تطلب من الممرضة احضار الفحوصات من المخبر في الجناح الاخر من البناية، سألتها ان كانت تذكر فهزت رأسها و اتبعتها "الصبر طيب"، أي صبر و انتظار النتيجة سيقرر البقاء او الوداع الابدي. حضرت النتيجة وضعت الطبيبة نظارتها على عينيها و قالت "يعني انت ما شاءالله مثقفة و دكتورة و تعلمين الاجيال". توقعت انها ستتبعها ب "و ستتقبلين ارادة ربنا بايمان" و لكنها أعقبتها "و أتوقع من امثالك ان تلتزم بالفحص الدوري كل ست أشهر او أقلها كل سنة"، غلت الدماء في قلبي و إزداد انسكاب العرق صابا من اعلى جبهتي الى جانبي وجهي، فرحت امسحه بطرف منديلي الذي يتدلى حتى منتصف صدري.تابعت: "الحمدلله النتيجة سلبية لا شيء مطلقا يدعو للقلق هذا ورم عادي فوق الجلد سيزول مع الايام امورك طيبة باذن الله ".

لا ادري ما هو الكلام الصحيح الذي قد يفسر شعوري حينها سوى ان الله بكلماتها تلك بعث لي رسالة صغيرة مفادها "لقد منحتك فرصة الحياة على الموت فاختاري كيف تعيشينها الان". كانت الساعة الثانية و النصف ظهرا هرعت الى مدرسة اولادي وانا اشعر بنفسي وزن الريشة، لاول مرة اريد ان احلق في المكان حتى الامس السما، وصلت ولا ادري كيف، اصطحبتهما الى غداء ثم الى الالعاب ثم الى السينما ليشاهدا فيلمًا طالما الحا علي بمشاهدته و كنت ارفض لالزامي اياهما باخلاقيات عدة، يومها لم امنعهما من شيء، أخبرتهما ان هذه اليوم هو يوم الامنيات المفتوحة وان كل ما يطلبانه سيلبى، فأنا أحيا من جديد و منحني الله فرصة اخرى لاعيش و هذه المرة سأعيش كما أريد...نعم سأعيش كما أريد انا لا كما يريد اي كان كائن من يكن، سأفرح اكثر و اضحك اكثر و احزن اقل و افكر بايجابية ، و لن يكون وصيًا علي احد و لن يوجهني احد سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة ، لن اسمح لاي كان ان يصنع دمعة في عيوني او المًا في صدري او قلقا في فكري او اضطرابا في نهاري، لن اسمح لاي كان ان يفرض نفسه على حياتي لا مكانا و لا زمانا، سأحيا كما اريد انا وحدي انا، مرضية ربي مسعدة ابنائي فاعلة الخير حيث قدر له ان يكون، و سأعيش لله وحده هو الذي سأمتثل لامره فقط، لن اضيع يومي في التفكير في احد لا من ظلمني و لا "من خان العيش و الملح" و لا من اعطيته فخذلني و لا من قدرته فاستغل طيبتي، و لا من اكرمته و نسي، و لا من ائتمنته فخذل، ساسافر و ارتحل ، ساجالس فقط من يسعدني ويبث الطاقة الايجابية في داخلي لا من ينفث سموم الغيبة و النميمية و الطاقة السلبية في حضوري، لن أجيب على اية اسئلة تخترق خصوصياتي و حرمة اشيائي، و لن ارد على اية رسائل جاهزة عبر "الواتساب" مثل "جمعة طيبة، جمعة مباركة، صباح الخير مساء الورد ....الخ" لن ارد الا على "مسج" فيها اسمي و موجهة لي شخصيا، فثواني الحياة الجديدة التي وهبني اياها الله اثمن من ان اقضيها في الرد على مسجات هي اصلا ارسلت لي و للجميع بكبسة زر دون حتى ادراك المرسل اني من ضمن القائمة احيانا، سأخرج اكثر، سأحتسي قهوتي المفضلة في الاماكن المفتوحة التي احب، سأقرأ أكثر و سأكتب اكثر، سألوِّن صفحات دفاتري تماما كما كنت طفلة و انقش بين السطور احلامي المستقبلية التي لم احققها بعد، وسأمرر قلمي الاحمر على كل هدف احققه و ارسم منه خطوطا متفرعة لامنيات اكبر، سأتنفس الحياة لاول مرة بعد خوض تجربة الموت بكل احساس،. ساعيد ترتيب أولويات الايام الجديدة التي منحني اياها الله لاحياها واخطط لها بحيث تركز على ذاتي اولا ساحياها ان شاءالله كما يجب و كما يفترض اني حييتها منذ منحني اياها الله اول مرة.

GMT 10:38 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

كبار السن في قلوبنا

GMT 10:58 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

النساء تريد رجالًا لا ذكورًا

GMT 11:32 2017 السبت ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجاح ليس حظ ولا صدفة بل هو خطوات عملية تقوم بها

GMT 11:30 2017 السبت ,28 تشرين الأول / أكتوبر

حلم الحياة من جديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حييتُ بعدما متُّ حييتُ بعدما متُّ



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon