"الأمم القوية لا تدار بقرارات فردية ووقتية، فوراء كل ذي قرار حكيم عقول حكيمة خلف صانع القرار متنزهة عن كل غرض إلا العمل على نجاح القرار وتوابعه"..
الوطن كيان كبير وإدارته مسؤولية كبرى ليست باليسيرة وتحتاج إلى عقول منزهة عن كل غرض، عقول متميزة ومبدعة وتحمل علي أكتافها خبرات السنين في كل مجال.
والإدارة الحقة والقوية هى التي تستمع لهذه العقول لتعضد العقول الأخرى ، فالعقول المتميزة هى روح الوطن، فأعز ما يملكه الوطن هو أبنائه، وأعز الأبناء هم المتميزون بعلمهم وخبراتهم وحكمتهم، والأمل في بناء أي دولة يكمن في قدرات أبنائها العلمية والفنية المتميزة.
ولم تنهض اليابان وألمانيا بعد إستسلامهما في الحرب العالمية الثانية إلا بالإعتماد علي عقول أبنائها، ولم تتقدم فرنسا وإنجلترا بالرغم من فقدانهم جزء كبير من الإمبراطورية الإنجليزية والفرنسية إلا بالإعتماد على أبنائها المتميزين، ولم تقود أمريكا والإتحاد السوفيتي العالم أثناء الحرب الباردة إلا بالإعتماد على العقول المتميزة سواء المهاجرة أو المستقطبة، ولم تنهض وتقوى الهند والصين وماليزيا في العصر الحديث إلا بعقول أبنائها المتميزون، ولم تنهض دول الخليج إلا بعد إستقطاب العقول المتميزة، ولم يؤثر سلباً على مصر بقصد أو بدون قصد إلا إهمال عقولها المتميزة أو تركها تهاجر بلا رجعة، فقوة الدول لا تعتمد على إمكاناتها المادية بل على إمكانتها البشرية عموماً والمتميزة خاصة، حيث تستطيع الأخيرة تحريك وتطوير الأولى بما يؤدي إلى نهضة حقيقية ملموسة.
وبناءً على هذه القاعدة وأخذاً في الإعتبار الوضع الراهن لمصر من مطلب نهضوي بعيداً عن الأيدي المرتعشة والمقيدة بالأحكام الوظيفية الروتينية في جميع المصالح والهيئات الحكومية ، فالحل قد يكمن في تشكيل شبكة قومية من أبرز العلماء والفنيين ورجال الأعمال المتميزين تكون مهمتها الأولى هى المشاركة في صنع كل القرارات السياسية والعلمية والمالية والاجتماعية على أن تتبع هذه الشبكة رئاسة الجمهورية مباشرة، ويتم إختيار أعضاء هذه الشبكة على مستوى كل محافظة بطريقة تطوعية إستشارية بمعزل عن كل السلطات شريطة أن تقدم لها الأخيرة المعلومات اللازمة وعلى أن يتمتع أعضاء هذه الشبكة بالحصانة حتى لا تقع تحت أي ضغوط أياً كانت.
تمثل هذه الشبكة مصنعاً عالي الجودة للإستشارات المطلوبة للتخطيط العلمي وأثناء الأزمات وصنع القرار، ومصنعاً جاهزاً لضخ قيادات قوية على جميع المستويات حتى رئاسة الوزارة، وبالتالي تمنع حالات الحيرة التي قد تحدث عند البحث عن قيادات بما فيها نواب للرئيس ولرئيس الوزراء وللوزراء وللمحافظين ولرؤساء الجامعات في وقت قصير، وبالطبع سوف يقلل ذلك من إختيارات غير صائبة والتي تحدث في كثير من الأحيان.
ولأن الدولة في مرحلة نهضة سياسية واجتماعية ومالية وعلمية وتعليمية وأمنية وصحية فهذه الشبكة بما تجمعه من حكماء من كل التخصصات سوف تكون قادرة على مواجهة أي معضلات حياتية سواء مقترحة منهم أو من الآخرين بحيث تخرج بتوصيات يمكن تطبيقها بعد عرضها على صانع القرار، وتستطيع هذه الشبكة القومية أن ترشح قيادات من خارجها أو من داخلها بعد فترة من إكتساب الخبرات المختلطة من نواحي التعامل مع المشكلات الوطنية المختلفة.
وفي إعتقادي أن تجمع المتميزين في شبكة قومية لها فروع في كل محافظة لا يعني العنصرية بالمرة بل يعني التخصصية ولعب أدوار وطنية لمتميزين بقدرات غير متاحة لدى الآخرين، فهو تكليف وليس تكريم وهو لصالح بقية الشعب وليس للتميز عليه، هو مجرد تفعيل الخبرات في مكانها الصحيح وللمصلحة العامة، فالعبرة هنا بالخبرات وليس الإنتخابات أو التعيينات مما يمثل ثروة قومية منظمة ومتعاونة بدلاً من بعثرتها في طول البلاد وعرضها وعدم قدرتها إلى الوصول إلى صانع القرار أو حتى السماع لأفكارها لوجودها في جزر منعزلة.
ولأن صانع القرار السياسي يعاني الكثير من الصغوط سواء عند التخطيط أو صنع القرار أو توابع القرار؛ نظراً لإعتقاد العامة أن صانع القرار يتصرف بإنعزالية عن المجتمع، فسوف تخفف هذه الشبكة الوطنية العبئ على صاحب القرار لإرتكانه إلى مشورتها وأرائها العلمية والتي بالطبع تمثل نخب المجتمع والتي بدورها تستقي مشاكلها وأفكار حلولها من المجتمع المحيط.. ونظراً لشرط التميز في أعضاء هذه الشبكة يتوقع أن تكون الإستشارات النابعة ذات طابع علمي متميز كما سوف يدعم ويقوي ويكمل المجالس الإستشارية لرئاسة الجمهورية بأعدادها وبتنوعها، ونظراً لوجودها في كل محافظة فسوف تضمن إشتراك الأقاليم في التخطيط وصنع القرار. ونظراً لتنوع أعضائها الفني فسوف تضمن رؤي مختلفة ومتكاملة قبل أخذ القرار، ونظراً لتطوعها فسوف يضمن ذلك الإخلاص والشفافية في القرار.
رؤيتي هذه نبعت من ظهور العديد من الكيانات التي تحاول بشتى الطرق الإشتراك في الإستشارات وصنع القرار على المستوى الضيق والوطني ولكن لا تفلح في أغلب الحالات في التواصل أو التأثير على صانع القرار، وتنبع رؤيتي هذه من حاجة مصر لأفكار أبناءها المتميزين في كل مجال بصورة مناسبة وفعالة ومنظمة ولو لفترة إنتقالية حتى تصل البلاد إلى بر الأمان، وبالطبع سوف تقلل هذه الشبكة الوطنية من النقد اللاذع الذي يصيب صانع القرار إذا لم يحقق آمال وطموحات وتوقعات المصريين، هذه الشبكة الوطنية سوف تمثل الوسيط العلمي والفني للمصريين عند صانع القرار من خلال رئاسة الجمهورية مباشرة.
مجرد فكرة ولكن قد تحدث تغييراً كبيراً حال تطبيقها إذا راقت لأهل التخطيط.. الدولة بالفعل تحتاج إلى كيان كبير إستشاري يساعد الكيانات الأخرى سواء المعينة أو المنتخبة في إتخاذ القرار بحكمة وخبرة المتميزين.