خالد الهروجي
تصنَّف النفايات «خطرة» بناء على طبيعتها وتأثيراتها السلبية المحتملة في صحة الإنسان والبيئة. وهي تنطوي على إحدى أو بعض الخواص الجوهرية الآتية: متفجرة، قابلة للاشتعال، أكّالة، مُعدية، سامة. وثمة بلدان قليلة في المنطقة العربية أنشأت مرافق فنية مأمونة لمعالجة النفايات الخطرة وتخزينها والتخلص الآمن منها، لكن الغالبية الساحقة ما زالت تفتقر الى المعرفة التكنولوجية والوسائل المالية لبناء هذه النظم المعقدة. على رغم أن معظم الحكومات صادقت على اتفاقية بازل الخاصة بضبط انتقال النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها، فإن غالبية الدول النامية، بما فيها العربية، ما زالت تكافح لوضع آليات عملية من أجل التصدي للمشاكل الملحّة المتعلقة بتوليد هذه النفايات وإدارتها. وفي حالات كثيرة، لا تتوافر بيانات مكتملة وموثوقة حول الكميات المولدة، بل تقديرات أولية متناثرة هنا وهناك. والتشريعات الوطنية في هذه البلدان، وإن بُنيت على أساس نصوص اتفاقية بازل وأحكامها، فما زالت تعوقها نواقص حادة في البنى التحتية المناسبة لإدارة النفايات الخطرة، وقصور واضح في الموارد البشرية المدربة والقادرة على التعامل مع جوانب هذه المشكلة التي عادة ما تكون معقدة تقنياً. كثيراً ما لوحظت زيادات في مخاطر حدوث تأثيرات صحية سلبية لدى تجمعات سكانية قرب مواقع النفايات الخطرة، مثل انتشار أنواع من السرطان والعيوب الخلقية وانخفاض الوزن عند الولادة وأعراض مرضية مثل الصداع والتعب والأرق وسواها... ويقدر أنه بحلول عام 2020، سيتم انتاج نحو ثلث انتاج العالم من المواد الكيماوية في بلدان نامية، وسيكون الانتاج العالمي أعلى 85 في المئة عما كان عام 1995. إن هذا التوجه في تحول انتاج المواد الكيماوية الى البلدان الفقيرة، مع ما يرافقها من نفايات، سيزيد المخاطر الصحية والبيئية المفروضة على سكانها.
«مساعدات» سامة الى دول عربية لم تولِ البلدان العربية حتى وقت قريب اهتماماً كافياً بالمشاكل والتأثيرات التي يسببها توليد النفايات الخطرة والتعامل غير المنضبط معها. ومع التطور الصناعي والتوسع الحضري في المنطقة، تستمر معدلات توليدها في الارتفاع. وتعتبر الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية المصدر الرئيس، لكن صناعات ومنشآت أخرى تساهم أيضاً بنسبة معتبرة، مثل تصنيع المعادن والفلزات ومرافق العناية الصحية والمختبرات. كذلك تساهم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مثل ورش التصفيح الكهربائي ودباغات الجلود وكاراجات اصلاح السيارات، بحصة كبيرة واسعة الانتشار وقاصرة الانضباط. وتحتوي النفايات البلدية أيضاً على كميات من النفايات الخطرة، مثل المذيبات الكيماوية والطلاءات ومنتجات التنظيف والمواد الصيدلانية المنتهية الصلاحية والبطاريات. وللأسف، لا توجد قواعد بيانات شاملة أو موثقة تعكس بدقة كميات وأنواع النفايات الخطرة وغيرها من النفايات المولدة في المنطقة. وتمثل الملوثات العضوية الثابتة (POPs)، بما في ذلك المبيدات المنتهية الصلاحية، تحدياً خاصاً للبلدان العربية، اذ تنقصها عادة القدرة على تحديد مصادر تسرب هذه الملوثات الى الهواء والاستجابة لها (مثل الديوكسين والفوران)، والى المياه والتربة (مثل ثنائيات الفينيل المتعددة الكلورة PCBs). وكانت بعض الدول العربية، بموجب بعض برامج المساعدات وبالتغاضي عن التهريب، ضحايا شحنات مواد كيماوية سامة من بلدان صناعية، مثل مبيدات الأعشاب والآفات. وغالباً ما تتحول هذه «المساعدات» سريعاً الى مصادر للنفايات الخطرة، مما يتطلب عناية إدارية وفنية معقدة تفتقر اليها المنطقة وخصوصاً البلدان الأقل نمواً. وقدرت دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في أواسط التسعينات من القرن الماضي وجود نحو 7000 طن من مبيدات الآفات المهملة في 15 بلداً عربياً، تم التخلص من معظمها كنفايات خطرة، لكن ربما تراكم المزيد منها عبر السنين الماضية. ولإظهار التباين بين الدول العربية، يذكر مثلاً أن الأردن، وهو بلد غير منتج للنفط عدد سكانه نحو ستة ملايين نسمة، أبلغ اتفاقية بازل عام 2005 أنه ولّد 17 ألف طن من النفايات الخطرة. وأبلغت تونس، وهي بلد غير منتج للنفط عدد سكانه نحو 10 ملايين نسمة، عن توليد 71 ألف طن. أما عُمان، وهي بلد منتج للنفط والغاز عدد سكانه نحو ثلاثة ملايين نسمة، فأبلغت في السنة ذاتها عن توليد 242 ألف طن. وفي كل الأحوال، من المتوقع أن تكون كميات النفايات الخطرة المنتجة في المنطقة للفرد الواحد مماثلة لتلك التي تنتجها البلدان الصناعية، علماً أن بعض البلدان العربية ما زالت تقوم برمي النفايات في مكبات عشوائية أو حرقها في الهواء الطلق كوسيلة وحيدة للتخلص منها نهائياً. وتعتبر مرافق معالجة النفايات الخطرة وتخزينها والتخلص منها في شكل آمن نادرة في المنطقة.