بقلم : الدكتور عادل عامر
الإشاعات تنتشر في الأسواق وتؤثر فيها على حركة البيع والشراء، ومروجيها لابد أنهم يحققون أرباحاً من إطلاقها، لاسيما أن الثقة بالاقتصاد العراقي أو بالأحرى بالمعطيات والمعلومات عنه غير متينة، ويطلع المواطنون عليها بالقطارة، وقد تسبب ذلك في أن كثيراً من المواطنين بدأوا بسحب أموالهم التي يحتفظون بها في المصارف خوفاً من تحديد حجم المبالغ المسحوبة عند الحاجة.
يعتبر التصدي للإشاعات الكاذبة المغرضة التي تضر بالمتعاملين في الأسواق وبالاقتصاد من مسؤولية كل مواطن ومنظمات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام المختلفة والتيارات السياسية والأحزاب، ومن مسؤولية الحكومة لأن هؤلاء مسؤولين عن الوطن ومن ركاب سفينته فإذا غرقت غرقوا جميعاً.
ودليل ذلك حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم : "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة. فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها. وكان على الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم. فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً" رواه البخاري. ولقد أكد رسول الله صلي الله عليه وسلم على هذه المسؤولية فقال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" مسلم. وتقع المسؤولية الكبرى على ولي الأمر لأن بيده السلطة الشرعية والقانونية للتصدي لمن يفسدون في الوطن ولا يصلحون. كما تعتبر أجهزة الإعلام المختلفة التي تنقل المعلومات إلى الناس شريكة في المسؤولية.
تسببت خمس إشاعات انتشرت بين أوساط المصريين خلال الأيام الماضية، في حالة من الارتباك، بخاصة أن الحكومة لم تعلق سواء سلباً أو إيجاباً على نحو سريع على ما تردد من أخبار تبين فيما بعد أنها إشاعات.
الإشاعة الأولى كانت تستهدف السوق المصرفية، حيث انتشرت في الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي أخبار تفيد أن البنك المركزي المصري سوف يقوم بتحويل العملات الورقية فئة 5 و10 و20 جنيهاً إلى عملات معدنية فقط. وتسببت هذه الإشاعة في حالة من الارتباك، استدعت مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، لأن يرد في بيان رسمي وينفي صحة ما تردد في هذا الشأن. وأوضح "المركز" أن هذه الإشاعة انتشرت قبل ذلك وسبق نفيها، لكن في الأيام الماضية ومع عودة انتشارها، تواصل مركز معلومات مجلس الوزراء مع البنك المركزي المصري الذي نفى وبشدة صحة هذه الأخبار، مؤكداً أن العملات المعدنية الموجودة بالأسواق حالياً هي فئة 25 قرشاً و50 قرشاً و100 قرش فقط، بجانب عملات تذكارية استثنائية من فئات مختلفة صدرت ضمن احتفالات الدولة بمرور 150 عاماً على إنشاء القاهرة الخديوية.
أما الإشاعة الثانية فقد استهدفت القطاع الصحي، حيث تداولت مواقع التواصل أخباراً تفيد بأن نواقص الأدوية في السوق المصرية تتجاوز 1400 صنف، لكن وزير الصحة والسكان، الدكتور أحمد عماد الدين، أكد أن الحديث عن نواقص الأدوية أصبح مادة للتلاعب بمشاعر المصريين. وأوضح الوزير أن عدد نواقص الأدوية يبلغ 25 صنفاً فقط، مشيراً إلى أن ما يتردد عن أن نواقص الأدوية في 1400 صنف، ليس له أي أساس من الصحة، مطالبا وسائل الإعلام بالحصول على معلومات نواقص الأدوية من إدارة الصيدلة بوزارة الصحة فقط دون أي جهة أخرى.
وتعلقت الإشاعة الثالثة باتجاه الحكومة المصرية نحو بيع قطع أثرية فرعونية لعرضها بمتحف اللوفر أبوظبي، لكن وزارة الآثار أكدت أن هذه المعلومات مضللة وغير صحيحة، وأوضحت أن الحكومة لم ولن تقوم ببيع أي من قطعها الأثرية على الإطلاق. كما نفت الوزارة إرسال أي قطع أثرية مصرية لعرضها بمتحف لوفر أبوظبي بشكل خاص، أو بدولة الإمارات العربية الشقيقة عموما، منذ أكثر من عشرين عاماً.
أما الإشاعة الرابعة فتعلقت باتجاه الحكومة نحو خصخصة مرفق السكك الحديد، وهو ما نفته وزارة النقل، وأكدت أن هذه المعلومات مجرد إشاعة ليس لها أي أساس من الصحة، كما أشارت إلى أنه لا يوجد أي اتجاه لدى الحكومة لخصخصة مرفق السكك الحديد، حيث أن هذا المرفق يعد ملكاً للدولة، والحديث عن خصخصته ليس له أساس من الصحة.
وأوضحت الوزارة أن مشاركة القطاع الخاص في السكك الحديد سيكون في إطار القطاعات الخدمية فقط، وذلك بهدف تحسين الخدمات ورفع كفاءة المرفق. مشيرة إلى أنه يتم تطوير قطاع الإشارات بتكلفة بلغت 12 مليار جنيه، ممولة من مؤسسات التمويل الدولية.
وتطرقت الإشاعة الخامسة إلى ارتفاع أسعار تذاكر المترو عقب تطبيق نظام التذاكر الملونة، وهو ما نفته أيضاً وزارة النقل بشكل قاطع، وأكدت أنه لا زيادة في أسعار تذاكر مترو الأنفاق، وأن ما يتردد مجرد إشاعات ليس لها أي أساس من الصحة.
وأوضحت الوزارة أن تطبيق نظام التذاكر الملونة لا يعني زيادة قيمة التذكرة، حيث جاء تطبيق هذا النظام بالتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد، بهدف التيسير على الركاب أصحاب التخفيضات لتمييز كل تخفيض بلون معين، وأيضاً للتيسير على مفتشي المترو لاكتشاف المخالفات ومنع استغلال بعض الركاب للتخفيضات. وخاصة الاقتصادية منها، لأن تلك القوى على علم بأن الحالة الاقتصادية هي جوهر قوة أو ضعف أي شعب وأي بلد، كما أن الأمور الاقتصادية حساسة خاصة منها ما يمس محدودي الدخل. الإشاعات تهدف إلى تسميم علاقة الجمهور بأي عملية لإصلاح الاقتصاد وتعطيل هذا الإصلاح إدراكا منهم – اي القوة المناوئة لثورة 30 يونيو- أن انطلاق مصر اقتصاديا وتنمويا سيعزز من عملية طي صفحة جماعات العنف والاستبداد والطائفية مرة وإلى الأبد، ومن هنا لاحقت تلك الجماعات كل إصلاح بل وأي نقاش لتعميق الفكرة الإصلاحية ذاتها وتعميق الوعي بها وسط الجماهير.
من الإصلاحات التي لقيت مقاومة شائعية ضخمة عملية نظام توزيع سلع بطاقات التموين الجديد، وهو نظام يغطى نحو 17 مليون أسرة وكذلك منظومة توزيع الخبز الجديدة وتمس نحو 70 مليون مواطن حيث بدأت الإشاعات قبل تنفيذ النظامين هادفة التشويه وطمس المزايا وإنماء الكراهية داخل نفوس المصريين حيالهما من خلال إقناعهم بان الهدف الأساسي منهما تجويع المصريين.
ومن هذه الإشاعات: "سلع التموين ستكون بسعر مضاعف – السلع ستقل كميتها من غير ما تزيد جودتها – (الحكومة بتعمل كده علشان الشعب يبطل ياخد من التموين… ياعم ده شغل نصب على الناس الخ).
أما في منظومة الخبز فكان هناك تفنن واضح في إنتاج الإشاعات ومنها : (رغيف العيش أبو خمسة قروش هيبقى تلاته بجنيه ده إذا وجدناه – أصلهم جايبين دقيق مسرطن وعايزين يصرفوه… إلخ). بعد تطبيق النظامين تأكد للمصريين ما يوجد بهما من مميزات كثيرة وأن ما قيل وروج له ما هو إلا محض إشاعات مغرضة. كانت القوى المناوئة تراهن على قيام ثورة جياع، متناسية أن المصريين من فرط ثقتهم في الله وفي إنسانيتهم يقولون: (مفيش حد بينام من غير عشا في مصر).
ووجد أن أكثر الإشاعات الاقتصادية وحازت على نسبة 28% ومن ثم الإشاعات السياسية ونسبتها 23% والإشاعات الاجتماعية 18% ثم الإشاعات الأخلاقية بنسبة 17% وأخيراً الدينية بنسبة 14% ,وكما سبق وأن أسلفنا أن الإشاعات الاقتصادية هي أكثر الإشاعات رواجاً في المجتمع تليها السياسية لارتباطها بالحياة الاجتماعية وتوفير الرفاه الاجتماعي للمواطن. وإن الإشاعات الأخلاقية وإن كانت نسبتها متدنية إلا أنها عادة ما تصيب الأفراد المشهورين مثل الفنانين ولاعبي كرة القدم، وهذا ما أجاب عليه السؤال الذي يليه عن أن الإشاعات تستهدف المشهورين وكانت نسبة الموافقين 46% ونسبة الموافقين إلى حد ما 46% أي بمجموع 92% ويعود ذلك إلى أن الشهرة سلاح ذو حدين.