تعد الموازنة العامة للدولة الآداة الرئيسية في تحقيق انجازات الأداء العام, والوسيلة التي تستخدمها السلطة التشريعية للاستدلال على كفاءة أجهزتها سواء التشريعية أو التنفيذية والرقابية, من خلال النظر الى مدخلات ومخرجات هذه الموازنة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
من المعلوم ان الحرمان من المال يعتبر من أشد الآلام التي تصيب الإنسان ولا يفوقه في الألم سوى الحرمان من الحياة أو الحرية أو الشرف. وفي العصور القديمة كان الاستيلاء على مال المجرم من بين الوسائل المهمة للإنتقام منه.
على أنه يلاحظ أن العقوبات المالية قد تطورت بمرور الزمن شأنها في ذلك شان العقوبات الأخرى. فأول ما ظهر منها تجريد المجرم من ماله جميعه، وهو ما يسمى الآن بالمصادرة العامة.
ثم روعت بعد ذلك العدالة في تناسب العقوبة مع الجريمة، فجعل لكل جريمة حدا من الحدود المالية لا يتجاوزه، وسميت العقوبة عندئذ بالدية، كانت الدية هذه حقا للمجني عليه. ولما انتقل حق العقاب الى لا دولة بدلا من المجني عليه (عندما اعتبرت الجرائم اعتداء على الجماعة قبل ان تكون اعتداء على الفرد) أهملت الدية وحل محلها عقوبتان : الأولى المصادرة، الثانية الغرامة، وهاتان العقوبتان الماليتان المعترف بهما في التشريعات المعاصرة. ولما كانت المصادرة قد اصبحت عقوبة تكميلية فسوف نتطرف اليها عند الكلام عن هذا النوع من العقوبات. وعليه فسوف نقصر بحثنا على الغرامة باعتبارها عقوبة أصلية.
الغرامة :-
هي الزام المحكوم عليه باند يدفع الى الخزينة العامة المبلغ المعين في الحكم الغرامة في قانون العقوبات تؤدي وظائف ثلاث، فهي اما انا تكون (عقوبة أصلية مباشرة) وذلك في حالة كونها العقوبة الوحيدة لجريمة الجنحة او المخالفة او ان تكون (عقوبة أصلية اختيارية) وذلك في حالة ما اذا نص عليها في القانون كعقوبة اختيارية يحكم بها مع الحبس او بدلا عنه. او ان تكون عقوبة تكميلية وتتحقق اذا نص عليها في القانون كعقوبة اضافية يحكم بها بالإضافة الى العقوبة الأصلية.
وتختلف الغرامة عن التعويض المدني لأنه لا يستهدف غير اصلاح الضرر بينما الغرامة تتمثل في ألم مقصود بذاته يهدف الى التأثير على إرادة المحكوم عليه ومجازاته عن ارتكابه فعلا غير مشروع. وتختلف الغرامة الجنائية عن الغرامة التأديبية في ان الأخيرة لا توقع الا اذا كان الفاعل يخضع لنظام تأديبي معين نتيجة علاقة تبعية خاصة بهيئة معينة، وهي تختلف عن الرد لان الرد ليس عقوبة، انما هو إعادة الشيء الذي وقعت عليه الجريمة الى صاحبه او من له حق حيازة عليه
أعلنت النيابة العامة أنها تمكنت من تحصيل مبالغ مالية مستحقة لصالح الخزانة العامة للدولة عن الأحكام القضائية واجبة النفاذ في العديد من القضايا الجنائية, تقدر قيمتها ب` 4 مليارات و 167 مليون جنيه مشيرة إلى أن تلك المبالغ تم توريدها بالكامل لصالح الخزانة العامة للدولة .
وأكدت النيابة العامة أن المبالغ المالية المشار إليها جاءت في ضوء أحكام قضائية جنائية واجبة النفاذ الصادرة في العديد من القضايا الجنائية, والمقضي فيها بعقوبة الغرامة المالية في العديد من القضايا ومنها قضايا العدوان على المال العام, والغدر, والإضرار بالحكومة من جهة الداخل, وكذلك عن جرائم الاختلاس والاستيلاء والتربح والإضرار العمد بالمال العام والرشوة والانضمام الى الجماعات الإرهابية والتظاهر وتمويل الإرهاب .
وجاءت هذه الخطوة بتحصيل تلك المبالغ, باعتبار أن النيابة العامة هي المختصة وحدها ودون غيرها طبقا للدستور والقانون في تنفيذ الأحكام الجنائية واجبة النفاذ باعتبارها نائبة عن المجتمع وممثلة له, علاوة على ما يوليه النائب العام المستشار نبيل أحمد صادق من اهتمام كبيرة بشأن الاستمرار في تنفيذ الأحكام الجنائية وأحكام العقوبات المالية بهدف الحفاظ على حقوق خزانة الدولة العامة.
وساهمت الإجراءات القانونية المستحدثة التي أصدرها النائب العام المستشار نبيل أحمد صادق في شأن تنفيذ الأحكام واجبة النفاذ الصادرة في العديد من القضايا الجنائية, والمتمثلة في الكتابين الدوريين رقم 8 لسنة 2016 بشأن تيسير إجراءات تنفيذ الأحكام الجنائية ورقم 3 لسنة 2017 بشأن تنفيذ أحكام العقوبات المالية, في سرعة اتخاذ إجراءات تحصيل تلك المبالغ. وخطورة الجريمة، حتى تحقق العقوبة الغاية منها، وهي ردع أفراد المجتمع وزجرهم عن ارتكاب الجريمة، وإيلام من لا يرتدع منهم ويرتكب الجريمة لعلّه يعيد حساباته ويصلح من نفسه.
ولا يُتصور تأثر العقوبة المقيّدة للحرية بالتغيّرات التي تحدث في أوضاع المجتمع أو الأفراد، فعقوبة الحبس 3 سنوات على جريمة ما، تحقق الردع والإيلام اليوم، وستحققهما غداً، وكانت تحققهما بالأمس، إذ شوق الإنسان للحرية لا يتبدّل بمرور الأيام، وألم البقاء خلف القضبان لا يختلف من سنة إلى أخرى، بينما عقوبة الغرامة لا يمكن أن تحقق الردع والإيلام ما لم توضع مجموعة من الاعتبارات في الحسبان عند تحديد مقدار تلك الغرامة.
لذلك تتمتع الموازنة العامة بأهمية كبيرة من خلال تحقيقها لأهداف الدولة المختلفة تبعًا لحاجات المجتمع المتغيرة عبر الزمن، فمنها أهداف اجتماعية حيث تتضمن الموازنة العامة سياسات لإقامة مشاريع تنموية، ورفع مستوى الخدمات الصحية والإسكانية، وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار، وزيادة تمويل الطبقة الغنية لخزينة الدولة العامة، وكذلك فهي تعمل على تحقيق أهداف علمية لتشجيع البحث العلمي، وتحسين عملية التخطيط، إضافة إلى أنها مصدر للمعلومات، أما على الجانب الاقتصادي فتحقق الموازنة العامة أهدافًا اقتصادية متعددة، كتوزيع موارد الدولة حسب أولوياتها، واستخدامها كأداة للرقابة على المال العام، وتوجيه الاقتصاد الوطني والاستثمارات حسب السياسات العامة للدولة، لتخفيض عجز الموازنة العامة ونسبة الدين العام وتوازن الميزان الجاري لميزان المدفوعات.
موارد الموازنة العامة المصرية.
(1) الموارد الذاتية المتاحة.
الموارد الذاتية هي المصدر الرئيسي لتمويل الإنفاق العام الجاري والرأسمالي وعلى أساسها تتحدد الموارد المفترضة في صورة القروض وأذون وسندات الخزانــة وبالتالي فهي تحدد حجم الدين الداخلي والخارجي وما له من تأثير على مــعدلات التضخم والإنتاج والنمو وغيرها وتتحدد حجم الموارد الذاتية على أساس الطاقة الإيرادية للمجتــمع وحركة النشاط الاقتصادي.
وتتمثل الموارد الذاتية للدولة في:
1- فوائـض الجهاز الإداري للدولة:
وهى تمثل حوالي 45% من الموارد الذاتية المتاحة للدولة وتتــمثل في الفوائض الذي تحققها الوحدات الإدارية الحكومية والمصالح التابعـــة للـــجهاز الإداري للدولة وأهمها الضرائب والجمارك والرسوم والإتاوات في صورة موارد سياديــة تفرضها الدولة بصفتها السيادية ومنهــا:
أ) الضـرائـب:
تمثل حوالي 40% تقريبا من الإيرادات السيادية للدولة وتتحدد على أساس الطاقــة الضريبية للمجتمع وبمراعاة العدالة الضريبية وتتمثل في الضرائب العامة على الدخول والأرباح والأشخاص الطبيعية والاعتبارية من شركات الأشخاص والأموال والذي تفرض عليهم بصورة مباشرة بإضافة إلى ضريبة الدمغة وتتوقف هذه الحصيلة على الطاقة الضريبية للمجتمع وقانون الضرائب المؤثر على الوعاء الضريبي وعلى توسيع المجتمع الضريبي ونظم العمل في الجهاز الضريبي وكفاءة التحصيل
ب) الجمـــارك:
تمثل حوالي 20% من الإيرادات السيادية للدولة وتتوقف زيادة الحصيلة على قانون الجمارك المعمول به وآثره على تشجيع الصادرات والواردات ونظم الإعفاء ومدى السيطرة على التهرب الجمركي ونظم التحصيل الجمركي.
ج) الضرائب على المبيعات:
تمثل حوالي 30% من الإيرادات السيادية للدولة وهي الضرائب الغير مباشرة الذي تفرض على السلع والخدمات والذي يتحمل عبئها النهائي مستهلك السلع أو الخدمات الخاضعة لها. وتتوقف حصيلتها على حالة الاقتصاد السوقي والتجاري من ناحية ومن ناحية أخرى على كفاءة الجهاز الضريبي ونظم العمل به والثقافة الضريبية في المجتمع
د) موارد سيادية أخرى:
تمثل حوالي 10% من الإيرادات السيادية للدولة وتتمثل فى الإتاوات والرسوم التي تفرضها الدولة مثل رسم تنمية الموارد وإتاوات قناة السويس والبترول ومعظمها تنفق على تنمية الخدمات للمواطنين وتحسينها.
2- فوائض وأرباح الهيئات الاقتصادية والشركات والبنوك:
وتمثل حوالي 15% من الموارد الذاتية المتاحة للدولة وهى الفوائض والأرباح الذي تؤول للخزانة العامة للدولة باعتبارها صاحبة حق الملكية في العديد من الهيئات الاقتصادية والشركات العامة والبنوك, وأهمها:
- فوائض هيئة قناة السويس وهيئة البترول وتمثل حوالي 50% من هذه الفوائض.
- فائض البنك المركزي والبنوك العامة وتمثل حوالي 25% من هذه الفوائض. وهى عبارة عن فوائد القروض الممنوحة من الدولة لبعض الجهات والقروض المعاد إقراضها عن طريق الخزانة العامة للدولة وأرباح الشركات والمؤسسات العامة المملوكة للدولة.
3- الموارد الذاتية الأخـرى:
- وتمثل حوالى 7% من الموارد الذاتية المتاحة للدولة في صورة مخصصات واحتياطيات تكونها بعض الجهات وذلك لاستعاضة واستبدال ما تم اهلاكه من الآلات والمعدات والأثاث بالإضافة إلى القيمة التجريدية لهذه الآلات والمعدات.
- وأيضا حصيلة الخصخصة الناتجة عن بيع الأصول العاطلة المملوكة للدولة حيث يدخل من قيمتها حوالى 50% كمورد ذاتي للخزانة العامة للدولة.
- بالإضافة الى أي معونات ومنح خارجية أو داخلية من جهات ومنظمات ودول أجنبية
4- الأقساط المحصلة:
تمثل حوالى 3 % من الموارد الذاتية المتاحة للدولة وتتمثل في أقساط القروض السابق منحها من الدولة لبعض الجهات الداخلية والخارجية أو المعاد إقراضها عن طريق الخزانة العامة.
5- حصيلة الأوعية الادخاريـة:
تمثل حوالى 7% من الموارد الذاتية المتاحة للدولة وتتمثل في نتائج الأوعية الادخارية المملوكة للدولة من صناديق التأمينات الحكومية وصناديق توفير البريد وشهادات الاستثمار وغيرها.
(2) الموارد المقترضة المتاحة:
وتمثل حوالى 25 % تقريبا من الموارد المتاحة للدولة والمستخدمة في سد عجز الموازنة لعامة للدولة, وتتمثل في:
1- أذون وسندات الخزانة العامة:
تمثل حوالى 10% من الموارد المقترضة المتاحة للدولة وهى عبارة عن أذون خزانة وسندات خزانة تصدرها الخزانة العامة للدولة بسعر فائدة وشروط معينة وتستخدم لسد العجز الجارية نظرا لطبيعتها الزمنية.
2- القروض والتسهيلات الائتمانية المحلية والخارجية:
وتمثل حوالى 15% من الموارد المقترضة وتتمثل معظمها في القروض من بنك الاستثمار القومي وبإضافة الى القروض والتسهيلات الائتمانية المحلية من بعض البنوك الأخرى. وإلى القروض والتسهيلات الائتمانية الخارجية.