توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العلاقة بين رأس المال البشرى والنمو الاقتصادي

  مصر اليوم -

العلاقة بين رأس المال البشرى والنمو الاقتصادي

بقلم الدكتور عادل عامر

إن الحكومات التي تسعى لتحقيق النمو الاقتصادي تفضل الاستثمار في رأس المال المادي- الطرق الجديدة والجسور الجميلة والمطارات البراقة وغير ذلك من مرافق البنية التحتية. لكنها عادة ما تكون أقل اهتماما بالاستثمار في رأس المال البشري، وهو حاصل مجموع صحة السكان ومهاراتهم ومعارفهم وخبراتهم وعاداتهم. هذا خطأ، لأن إهمال الاستثمار في رأس المال البشري يمكن أن يضعف بشكل كبير قدرات الدولة التنافسية في عالم سريع التغير، حيث تحتاج البلدان إلى قدر متزايد من المواهب للحفاظ على النمو.

 إن اهتمام النظرية الاقتصادية بقضية رأس المال البشرى هو اهتمام قديم قدم علم الاقتصاد ذاته، فمنذ الكتابات الأولى لآدم سميث والتي تركزت حول أهمية التخصص وتقسيم العمل فى أسباب ثروة وتقدم الأمم، كان العنصر البشرى محور العملية التنموية .

ولقد اعتبرت نماذج النمو الاقتصادي الجديدة رأس المال البشرى العنصر الحاسم فى عملية التنمية ، وأرجعت إليه الفضل فى معظم النجاحات التى تحققت فى العديد من دول العالم ومنها النمور الأسيوية .  ويعرف رأس المال البشرى فى العديد من الكتابات على انه مجموعة المهارات والقدرات والإمكانات والخبرات التى يكتسبها الفرد ،

والتى تمكنه من المشاركة فى الحياة الاقتصادية وبالتالى يحقق منفعة اقتصادية تعود عليه ومن ثم تنعكس على المجتمع بأكمله . ويلعب رأس المال البشرى دورا هاماً ومحورياً فى التنمية الاقتصادية

وذلك من خلال العقول والعمالة المدربة التى تراكمت عبر الزمن ، كما أن العنصر البشرى كان ولا يزال احد أهم التروس فى عجلة التقدم لاى دولة ، فالعقل البشرى هو الذى يبدع ويبتكر ويصنع وبالتالي فان اعتماد اى دولة على استيراد الآلات والعمالة المدربة لا يكفى لكى تتقدم ، بل لابد أن يتوافر لديها مخزون من القدرات البشرية الواعية والقادرة على تحقيق الاستخدام الأمثل لتلك الموارد ودفع الدولة الى الأمام .

   وعلي الرغم من شيوع استخدام مصطلح راس المال في عدد من الكتابات الاقتصادية والاجتماعية خلال القرن الماضي،  إلا انه لا يوجد حتى الآن تعريف موحد ومستقر له. غير ان هذا لا ينفي وجود درجة عالية من التشابه في التعريفات المستخدمة ، والتي تنظر معظمها لرأس المال البشري باعتباره مجموعة المهارات والقدرات والإمكانات والخبرات التي يكتسبها الفرد، وتمكنه من المشاركة في الحياة الاقتصادية واكتساب الدخل ، والتي يمكن تحسينها من خلال الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية والتدريب وغيرها من أشكال رأس المال البشري الأخرى.    ومن التعريفات واسعة الانتشار لمصطلح راس المال البشري ذلك التعريف الذي تتبناه منظمة اليونيسيف ، والذي يرى " أنه المخزون الذي تمتلكه الدولة من السكان الاصحاء المتعلمين الاكفاء والمنتجين، والذي يعد عاملاً رئيسياً في تقدير امكانياتها من حيث النمو الاقتصادي وتعزيز التنمية البشرية ".

   ومما تقدم يمكن القول بأن مفهوم راس المال البشري هو مفهوم ديناميكي متعدد الأبعاد ، يتسم بعلاقات تشابكية قوية مع العديد من المفاهيم الهامة الاخرى مثل راس المال المعرفي، ورأس المال الاجتماعي والتنمية البشرية، الا انه يتمايز عنهم في كونه يركز علي العنصر البشري باعتباره فقط أحد المحددات الرئيسية لعملية النمو الاقتصادي، خاصة في ظل شيوع مظاهر العولمة والانفتاح ، وما نتج عنها من تزايد حدة المنافسة وتعاظم دور العلم والمعرفة والإبداع البشري في تحديد القدرة التنافسية للإقتصادات المختلفة.

يعد العنصر البشري من أهم العناصر الإنتاجية التي يمكن أن تساهم في تحقيق التنمية، فلن يؤدي هذا العنصر دوره بدون تعليم حيث يسهم الأخير في تراكم رأس المال البشري ، وتشير نظريات النمو الاقتصادي إلى أن التقدم التكنولوجي يزيد من معدل النمو الاقتصادي في الأجل الطويل ويزداد هذا التقدم التكنولوجي سرعة عندما تكون قوة العمل أفضل تعليماً، ومن هنا فإن تراكم راس المال البشري يساعد في التقدم التكنولوجي ويعد مصدراً من مصادر النمو المستدام. وتشير الأدبيات الاقتصادية إلى أن رفع معدلات النمو المستدام يتم عن طريق زيادة الطاقة الإنتاجية والاستثمار في الأصول الملموسة وغير الملموسة مثل الابتكار والتعليم والتدريب .   ولقد وجد Baroo & Lee في دراستهما المتعلقة بمعدلات النمو الاقتصادي في عدد من دول العالم خلال الفترة 1960 – 1995،

 أن من محددات النمو الهامة مخزون رأس المال البشري المتراكم لدى بلد ما ، وكذلك خصائص سكانها، فقد بين أن النمو مرتبط ارتباطاً إيجابياً بالمستوى الأولي لمتوسط سنوات التحصيل الدراسي من المستويين الثانوي والعالي للذكور البالغين، ولا يلعب التعليم الابتدائي دوراً معنوياً في النمو، إلا أنه مطلب رئيس للعبور إلى المراحل الأعلى من التعليم ذات المردود التنموي.     وقد زاد الاهتمام بموضوع تكوين رأس المال البشري وزيادة الاستثمار في الانسان بعد الحرب العالمية الثانية وذلك للأسباب الآتية: •

الزيادة الكبيرة في حجم الناتج القومي في الدول المتقدمة مقارنة بالزيادة في مواردها الطبيعية وساعات العمل ورؤوس الأموال المنتجة، الأمر الذي يمكن تفسيره -إلى حد كبير- بارتفاع مستوى الاستثمار في رأس المال البشري.

•تزايد الاهتمام بالتنمية الاقتصادية في الدول النامية التي ظلت تعاني من التأخر والتدهور الاقتصادي بالرغم من نيلها استقلالها السياسي.

   وعلى هذا فإن الاستثمار في تكوين راس المال البشري يفوق في نتائجه الاستثمار في الموارد المادية، وبالتالي أصبحت تنمية الموارد البشرية من أهم القضايا التي دعت الاقتصاديين إلى اعتباره العنصر الإنتاجي الأول في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي فاعلية عناصر الإنتاج المادية التي لا تكون لها هذه الفاعلية بدون الانسان.

إن الأبعاد المختلفة لرأس المال البشري تكمل بعضها البعض منذ السنوات الأولى من العمر. فالتغذية السليمة والتحفيز خلال شهور الحمل وأثناء الطفولة المبكرة يعملان على تحسين الرفاه الجسدي والنفسي خلال سنوات العمر التالية. على الرغم من أنه يمكن سد بعض الفجوات في المهارات المعرفية والاجتماعية والعاطفية التي تظهر في سن مبكرة في وقت لاحق، يصبح القيام بذلك أكثر تكلفة مع بلوغ الأطفال سن المراهقة. ليس من المستغرب إذن أن التركيز على رأس المال البشري خلال الأيام الألف الأولى من حياة الطفل هو واحد من أكثر الاستثمارات فاعلية من حيث التكلفة التي يمكن أن تقوم بها الحكومات.

ن شأن الاستثمارات في التعليم أن تحد أيضا من أشكال عدم المساواة. ففي معظم البلدان، يبدأ الأطفال المولودون لأبوين أكثر ثراء في الحصول على فرص أفضل في سنوات عمرهم الأولى، مما يؤدي إلى مزايا مدى الحياة، في حين تضيع هذه الفرص على الأطفال المولودين لأبوين فقيرين.  عندما تتخذ الحكومات خطوات لإصلاح هذه المشكلة، تبدأ أشكال عدم المساواة الاقتصادية في التراجع. وقد اعتمدت دراسة صدرت هذا العام على تجربة أجريت في نورث كارولاينا لبحث هل إذا عممت الولايات المتحدة برامج فعالة لتنمية الطفولة المبكرة، سينخفض عدم المساواة في الدخل بنسبة 7٪ - وهو ما يكفي لبلوغ مستويات المساواة الكندية.

تمتد الفوائد الاجتماعية للاستثمار في رأس المال البشري إلى أبعد من ذلك. فقضاء سنوات أطول في المدرسة يقلص احتمال ارتكاب الشخص جريمة ما. وكذلك البرامج التي تحسن المهارات غير المعرفية. ففي دراسة أجريت عام 2017 في ليبيريا، تم إلحاق تجار مخدرات ولصوص وغيرهم من أصحاب الميول الإجرامية ببرنامج للعلاج السلوكي المعرفي لبناء مهارات مثل التعرف على العواطف وتحسين ضبط النفس وتجاوز المواقف الصعبة. وقد أدى البرنامج، عندما اقترن بتحويل نقدي صغير، إلى خفض احتمالات عودة هؤلاء الرجال إلى حياة الجريمة.

ويرتبط رأس المال البشري أيضا بالمشاركة الاجتماعية. ففي منتصف السبعينيات، قامت نيجيريا بتعميم التعليم الابتدائي، مما أرسل مجموعة كبيرة من الأطفال إلى المدارس الابتدائية لم تكن لتلتحق بالمدارس لولا ذلك. وبعد مرور سنوات، كان هؤلاء الأشخاص أنفسهم على الأرجح يولون اهتماما كبيرا بالأخبار، ويتحدثون إلى نظرائهم في السياسة، ويحضرون اجتماعات المجتمعات المحلية، ويصوتون في الانتخابات.

كما أن الاستثمار في رأس المال البشري يزيد الثقة. فالشخص الأكثر تعليما هو أكثر ثقة بالآخرين، وتميل المجتمعات التي تشيع فيها أجواء الثقة إلى تحقيق نمو اقتصادي أعلى. كما أنها أكثر قدرة على التسامح: تشير الأبحاث إلى أن الموجة الكبيرة من الإصلاحات في التعليم الإلزامي التي حدثت في جميع أنحاء أوروبا في منتصف القرن العشرين جعلت الناس أكثر ترحيبا بالمهاجرين مما كانوا عليه من قبل.

GMT 10:17 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الاهمية الاقتصادية لطريق الحرير

GMT 10:37 2019 الجمعة ,05 إبريل / نيسان

تنظيم مصر لكأس الأمم وتداعياته الاقتصادية

GMT 16:26 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

كيفية اصلاح منظومة الاجور في مصر

GMT 13:37 2019 الخميس ,28 آذار/ مارس

مظاهر الغش والخداع في المنتجات الغذائية

GMT 12:44 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

مظاهر الغش والخداع في المنتجات الغذائية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العلاقة بين رأس المال البشرى والنمو الاقتصادي العلاقة بين رأس المال البشرى والنمو الاقتصادي



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon