أحمد حبر
خلق الله عز و جل الإنسان و استخلفه في الأرض ليعمرها، و تلك هي المقاصد العليا للخلق، فلا عجب أن يطلق الإنسان العنان لعقله المخلوق، حتى يستخدمه أحسن استخدام في أكمل الصو، و من هنا، فمن العجيب أن يضع الله حدودًا للعقل الذي خلقه على صورة مقدرة، تتيح له إطارًا من التفكر و الإبحار في نواميس الكون، بغية الوصول إلى الحقيقة الكاملة، التي لا تدع بعدها مجال لشك أو لريب، و تكون الشرائع التي أنزل على عباده هدى لمن يريد التفكر، و قانونًا كافيًا وافيًا لمن يحجم عن تلك العبادة الأرقى بين العبادات.إن مسألة الإبداع و قيود العقيدة جدلية قديمة حديثة لا تنتهي، غالبًا ما يقع فيها طرفي العملية الإبداعية من أصحاب الأسلوب المحافظ في الحياة، سواء المبدع أو المتذوق للإبداع على حد سواء. و يقيني أنه لا تضاد أو علاقة عكسية بين إطلاق العنان للعقل البشري في التأمل و التعبير عن الخيال بأدوات حسية، كأن يكتب أو يرسم أو يصور، و بين إكتمال إيمانه و إستسلامه على المستوى العقائدي، إنما هي علاقة طردية تصب في مصلحة القلب و العقل معًا.بقلم أحمد جبر
وهنا يأتي السؤال، لماذا إذن الجدل بشأن تلك المسألة، و لماذا يعتبر معظم الفقهاء و من يتبعهم من المتدينين أن التفكر في القضايا الكونية الكبري قد يصل بالمتفكر إلى الشك، أو حتى إلى الإلحاد، وأنه من الأفضل للمؤمن أن يسلم بما قاله الأولون من علماء الدين و الفقهاء، كي يتقي شر فتنة قد تصل به إلى الجحيم الأبدي، فضلاً عن أنه لن يفيده في الحياة الدنيا.
إن هذا الخوف من الضلال إنما هو إنتقاص من خلق الله الذي أنعم به على عباده و ميزههم به عن سائر المخلوقات الأدنى مرتبة، إنه العقل البشري الذي مازال العلم يحتار في أمره حتى يومنا هذا.
فقد أخبرنا الله عز و جل أن الإيمان محله القلب، و إنما العقل للتفكر و النظر في شؤون الدنيا و التساؤل عن مجرياتها، و إنما الإنسان ليسأل حتى يعلم، و يعلم حتى يوقن، و يوقن حتى يؤمن بقدرة الله الذي لا قدرة مع قدرتة، و لا حول إلا بإذنه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ والله بكل شيء عليم ((التغابن))
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ((فاطر))
صدق الله العظيم.
وللمسألة بعد فلسفي في رأيي، فعندما يستقر الإيمان في القلب حق استقراره كما مراد الله، فأنه سوف يشكل إطارًا أوسع و أشمل، يتعدى أطر العقل الإبداعية، إطارًا لا محسوس و لا مقيِد، يشعر المبدع أنه يتحرك بعقله داخله بمنتهى الحرية، فلا حدود يراها، ولا قيود يستشعرها، وهو في الحقيقة يتحرك داخل إطار بعيد، أوسع من إدراكه، فلا يشعر حينئذ بأنه يخضع لقيد كريه يكبل عقله و يحد تفكيره.
أما أن يضع المبدع بإدراكه إطارًا عقليًا لإبداعه بحجة العقيدة، يتحسس جدرانه، ويتقي صوانه، فهذا ما سيشعره حتمًا بالتضييق و المحدودية الكريهة لنفسه و عقلة، و يصبح كالصانع الذي يصب الماء في قالب من قماش، فلا هو شكل الماء على ما يجيد، ولا هو التزم بالقالب الذي يريد، مما سيضطره وقتـًا ما إلى أحد أمرين، فإما أن يتمرد على القيد العقائدي بحجة حرية الإبداع و التفكير و ينتصر لعقله، وإما سيهجر الإبداع و التفكر بحجة إلتزامه بحدود الفكر التي ألزمته بها عقيدته كما يتصور.
وأخيرًا، فإن العقل المبدع يبدأ بالتساؤل و النقد، و ينتهي إلى أحد أمرين، فإما اليقين المكتمل الذي لا ريب فيه، و إما الرفض الكامل لكل ما لم يجد له برهانًا عقليًا يشفي صدره و يسكت عقله.
اللهم إني أسألك اليقين بك