توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نجيب محفوظ غوّاص في بحر الواقع

  مصر اليوم -

نجيب محفوظ غوّاص في بحر الواقع

محمد أبوالفتوح

"إن قهر النفس أول الطريق لكل صاحب مشروع كبير"                                                                       نجيب محفوظ الحارة المصرية.. تلك التركيبة العبقرية.. الجامعة للمتناقضات.. الآسرة للروح.. المستحوذة على الحواس، تلك الحالة الخاصة الفريدة في العالم بخصوصية زمانها و مكانها، أبت أن تستسلم لرياح التغيير لفترة كبيرة، و حين شعرت أنها مندثرة لا محالة، قررت أن تخلِّد نفسها ؛ فأنجبت من يماثلها في العبقرية حتى يقوم بتأريخها في أكثر أشكال التأريخ جمالا.. الأدب، إنه عاشق المشربيات و الفتوات و التكايا و المقاهي.. إنه الفاني في الحسين و الجمالية و العباسية و السيدة زينب.. إنه من سمح للعالم أن ينهل من الروح المصريَّة بروائح عطارتها و بديع معمارها و تمايل متصوفيها، إنه أديب نوبل.. نجيب محفوظ. شهد العام 1911 ولادة أديبنا العظيم نجيب محفوظ، في حي الجمالية بالقاهرة، لأب محب للسياسة غير ميَّال للقراءة، و أم تتمتع بحرية نسبية بالنسبة لنساء ذلك العصر ؛ حيث كانت دائمة الذهاب إلى المتحف المصري مصطحبة طفلها نجيب معها، و كانت تجلس بالساعات داخل غرفة المومياوات، فكبر أديبا محبا للتاريخ الفرعوني حبا شديدا، حتى أنه قام بدراسته كاملا دراسة المتخصص. في الثانية عشرة إنتقل محفوظ مع أهله إلى حي العباسية، و من هناك بدأت زياراته لحي الحسين الذي عشقه عشقا شديدا، فكان دائم التردد عليه و السهر على مقاهيه، خصوصا في شهر رمضان حيث كانت تمتد السهرة إلى فجر اليوم التالي. في أحد الأيام رأى محفوظ أحد أصدقائه يقرأ رواية بوليسية فاستعارها منه، و استمتع بها للغاية، فانهال على باقي روايات تلك السلسة حتى أتمها ثم أخذ في البحث عن سلاسل أخرى، و بعد أن يقرأ كل رواية كان يعيد كتابتها مع تعديلات بسيطة، ثم يكتب على الغلاف، تأليف : نجيب محفوظ. بعد ذلك اتجه إلى قراءة المفكرين أمثال طه حسين و العقاد، فما كان منه إلا أن فُتن بالفلسفة، و كانت هذه المرحلة هي بداية صراعه الداخلي بين الفلسفة المحترمة جدا في الحياة الأدبية، و القصة التي كانت غير محترمة بالقدر الكافي في ذلك الوقت، حتى أنه قرر دخول كلية الآداب قسم الفلسفة في مفاجأة هزت كل من حوله، و خصوصا مع تفوقه الشديد، أراد محفوظ أن يدخل الآداب ليجد الإجابة على سؤال واحد.. ما هو سر الوجود ؟، كان يعتقد أنه كما يتعلم الطب طالب الطب، يتعلم سر الوجود طالب الفلسفة. لم ينتهي الصراع بين الأدب و الفلسفة بدخوله كلية الآداب، بل على العكس تماما ؛ إزداد شدة، إلى أن وصل للسنة الأخيرة له بالجامعة، حينها أدرك ميله الحاد للأدب ؛ فحسم الصراع لصالحه عام 1936. لم تكن هذه النقطة في خط حياة أديبنا هي نقطة الراحة، بل كانت نقطة التحول نحو تعب جديد، كان يشعر أن الفلسفة قد أضاعت الكثير من وقته، فهو الآن في الخامسة و العشرين، و لم يبدأ حتى في قراءة عيون الأدب المعروفة، لكنه لم يستسلم قط، فشمَّر عن ساعدي الجد و الاجتهاد، الوظيفة صباحا، و القراءة و الكتابة باقي اليوم، كان يسير على غير هدى، فلم يكن يعلم من أين يبدأ، حتى اهتدى إلى كتاب يؤرخ للأدب العالمي حتى عام 1930، فتعلم الإنجليزية ثم الفرنسية ليقرأ عيون الأدب العالمي في لغتها الأصلية مستعينا بهذا الكتاب، قرأ الحرب و السلام لتولستوي، و الجريمة و العقاب لدستويفسكي، كما قرأ لتشيكوف و موباسان و كافكا و بروست و جويس و شكسبير و يوجين أونيل و ابسن و ملفيل و حافظ الشيرازي و طاغور، هذا إلى جانب بعض كتب التراث المهمة التي كان قد درسها في المرحلة الثانوية كالأمالي لأبي علي القالي، و الكامل للمبرد، كما كان شغوفا بالاطلاع على الكتب العلمية التي تقوم بتبسيط النظريات و الحقائق شغفا كاد أن يزيد في بعض الأحيان عن شغفه بقراءة الأدب. لم يكن للرواية وجودا يذكر في مصر و لا في العالم العربي وقتها، لم تظهر إلا بعض المحاولات المنفردة هنا و هناك ؛ فكانت هناك رواية زينب لمحمد حسين هيكل و هي كما يرى محفوظ رواية عادية جدا، و رواية لطه حسين و أخرى للعقاد لكنهما بالأصل مفكرين لا روائيين، و عودة الروح لتوفيق الحكيم التي يراها أقرب للعمل المسرحي، و كانت المدرسة الواقعية في أوربا قد قاربت الاندثار، بل و تلقى أشد النقد من أصحاب المدرسة الجديدة في الكتابة.. تيار الوعي و اللاوعي، لكن أديبنا لم ينسق وراء ذلك، بل كان شديد الموضوعية و الصدق مع الذات، و نورد هنا بعض أقوال أديبنا العظيم تلخص فلسفته في الكتابة علها تكون نبراسا للأدباء الشباب، يقول نجيب محفوظ : - كيف أغوص إلى واقع لم يوصف في ظاهره، و لم تُرصد علاقاته، … الغوص إلى الداخل يبدو منطقيا مع بطل جويس لأنه منطو و منغلق، المهم أن يدرك الكاتب الأسلوب المناسب للتعبير عن موضوعه و عن نفسه. - كنت أتصور أن هناك رواية صح، و رواية غير صح، الآن.. تغيرت النظرية، الرواية الصحيحة هي النابعة من نغمة داخلية، فلا أنا أقلد المقامة، و لا أقلد جويس. - من أغرب الأسئلة التي أسمعها، واحد يسأل ” إنت عايز تقول إيه في القصة دي ؟ ”، طيب ما أنا لو عاوز أقول حاجه معينه أقولها في جملة أو مقالة، و خلاص. - عندما أكتب لا أعبأ بشيء. بدأ نجيب محفوظ مشواره الأدبي بنشر القصص القصيرة و المقالات في المجلات المختلفة، ثم بدأ نتاجه الروائي بثلاث روايات تاريخية عن مصر القديمة و هي على التوالي : عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة، في إطار مشروع لكتابة تاريخ مصر لكنه توقف بعد ذلك و أعاد تقييم مشروعه الإبداعي، لأنه شعر أن التاريخ لم يعد كافيا كوعاء يحمل ما يريد قوله، فكتب خان الخليلي، و أتبعها بالقاهرة الجديدة، ثم توالت أعماله التي وصل عددها إلى 38 رواية و 13 مجموعة قصصية، استطاعت أن تصور التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لمصر خلال القرن الماضي، بل و نقلته للعالم أجمع حيث تمت ترجمتها إلى زهاء 33 لغة، هذا بالإضافة إلى تسجيلها بمكتبة الكونجرس الأمريكي باعتباره أحد الكتاب البارزين في العالم، و مع كل هذا الكم الكبير من الإبداع السردي تظل أقرب أعماله إلى قلبه هي : الثلاثية، و الحرافيش، و أولاد حارتنا، و حكايات حارتنا. كان نجيب محفوظ قد حصل قبل عام 1988 على العديد من الجوائز القيمة كجائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1957، و وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 1962، و جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1968، و وسام الجمهورية من الدرجة الأولى عام 1969، لكن هذا العام – 1988 – جاء ليزف معه بشرى عظيمة لمصر و للعالم العربي بل و لدول العالم الثالث بأجمعه ؛ بشرى تكليل مجهود الأديب المصري العربي نجيب محفوظ بحصوله على أكبر و أعظم جائزة أدبية في العالم.. جائزة نوبل. وكم كان أديبنا الكبير نجيب محفوظ –  الذي رحل عنا عام 2006 – عظيمًا حين كتب خطاب نوبل الذي ألقاه عنه الأديب محمد سلماوي بالسويد، هذا الخطاب الذي هو علامة على إنكار الذات و التمسك بالهم العام و القضايا الوطنية في أكثر اللحظات التي تغري الإنسان بالنرجسية و الفخر بالنفس، لم يتحدث عن نفسه باعتباره الأديب الكبير، بل اتخذ من ثقافته العربية الإسلامية بابا ليُعرِّف المجتمع الغربي بهما، أيضا تحدث عن القضية الفلسطينية و الانتفاضة في وقت كان إعلام العالم يصور للمواطن الغربي أنها إرهابًا و افتراء

GMT 20:50 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

GMT 10:58 2018 الأحد ,29 تموز / يوليو

في نسف الثّقافة..

GMT 13:22 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

بناء الانسان المصري

GMT 15:26 2018 الأربعاء ,18 إبريل / نيسان

الموت كتكتيك أيدولوجيّ

GMT 02:04 2018 الخميس ,08 آذار/ مارس

زيارة للبلد متعدد الأعراق ومتنوع الثقافات

GMT 11:58 2018 السبت ,03 آذار/ مارس

تغريدة آذار

GMT 11:23 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 18:47 2018 الأحد ,04 شباط / فبراير

فلسفة الموت

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجيب محفوظ غوّاص في بحر الواقع نجيب محفوظ غوّاص في بحر الواقع



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon