توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في نسف الثّقافة..

  مصر اليوم -

في نسف الثّقافة

بقلم - رجاء بكريّة

((.. أم أنّه مرهما سحريّا يخفّف من انتفاخ الأوداج، والكبرياء، والكلمات ويحيلها إلى آفة عصبيّة تكبر بمرور السّاعات، وغرور لا يُحتمل، وكرات ثلج كلّما انتفخت ذابت في عيون المتورّطين في حلقاتها الشّائكة؟))

كلّها معا تهاجمك. تتزاحم فيك. تختبر صبرك عليها. تقاتلك على حقّها في أن تتصدّر عناوينك. كلّ المواضيع معا. قضيّة الأسرى، صفقة القرن المسدّسة، صحّة رئيس السّلطة الفلسطينيّة، زيارة الأمير وليام للقدس ورام الله بدون دوقة كمبردج "كيتي ويتي"، منشورات أيمن عودة حول المونديال كلّ مساء وتحيّزه للأرجنتين دون أدنى حق برأيي. بالعادة أجيز لنفسي جرف أصوات إضافيّة لصوتي حين يتعلّق الأمر بالشّعوب المغلوبة على أمرها شأننا، فأتحيّز لنيجيريا مثلا على حساب الأرجنتين، ولكوبا ضد البرازيل الّتي أحبّها.

أمتعض أحيانا حين أجد العالم الأبيض في صف طويل، والآخر الأسود يتثاءبُ في صفّ قصير، أقصر من بنصر يدي اليمنى. كم أنزعج؟ لا أنزعج،  أختنق فقط، وهكذا للا سبب لمجرّد أنّ الإنسانيّة في تراجع! خصوصا حين تقع عيناك على خبر قتل فتاة لأمّها على خلفيّة لا تستوعبها، عدم موافقتها على زواجها من شاب ليست واثقة من مؤهّلاتهِ. وقد يصيبك الغثيان، فتتداعى وتفوتك كُرةُ المساء حين تعرف أنّ الإبنة ذاتها أخفت يوما كاملا تواطؤها على قتل أمّها، وأنّها جلست في ذات المكان الّذي تنحدر منه خيوط الدّم كي تأكل بيتسا طلبتها على حساب فيزا الوالدة المغدورة. ولا أستوعب!

كيف وصلنا إلى هذه الحال؟ لا أحد يعترف أنّ التسيّب الأخلاقي يجرفنا بطريقة لا يمكن استيعابها. غلبتنا نزعاتنا. أفشت أسرار الطّيبة الّتي أحبّتنا وقلبتها لأسرّة ساكنة، حتّى النّوم له تجاوزاته لكنّ نومنا لا يعرف طقوسه، ولذلك، لا أعرف كيف أهادن نفسي، وأنا ألاحظ جنون الأفكار الّتي تقفر إلى رؤوس النّاس. لا أجيد التّفكير عنهم كشخوص رواياتي مثلا لأستوعب منطلقات الشّرور الّتي ينعفونها على أكوام البراءة الّتي منحها الخالق لنا. ذلك لأنّ النّاس الّذين يمشون بين سطوري يشبهونني ويخالفونني بذات القدر من الرّغبة الّتي فيّ. وحين يتمرّدون علي، أعرف تماما أنّي سأحتفي بفعلتهم كعربون أبدي لحسن اختياري. أناس الشّارع والمقاهي لا علاقة لهم بالمساحات المتخيّلة الّتي نبنيها كي نطلق شخوصنا إلى براءتهم كاملة، كي نختبر نقاط ضعفهم شأن قوّتهم لنتحكّم بها. تذكّرتُ دهشة الجنّ حين تابع بناء معبد سليمان الحكيم، رغم موته واقفا لمدّة لا يحدّدها التّاريخ. بقي واقفا يراقب عملهم حتّى لا يتقاعسوا. حين أنهوا لاحظوا تهاوي جسده أمامهم بفعل تفتيت دابة الأرض، النّمل، لعكّازهِ، " منسأتهِ" وسقوطه أرضا أمام عيونهم. ذات الأمر أتخيّله مع النّاس المفترضين شأن الحقيقيّين، أيّ مفصل فيهم يجب أن يتهاوى أوّلا كي يؤدّي بِنا إلى حقيقتهم، ومن يؤدّي بنا إليهم؟ أيّ دواب الأرض يجب أن نجعلها دليلا؟

أهي وشاية غير مقصودة، أم مكبّر عين، أم مكبّر ضمير، أم أنّه مرهما سحريّا يخفّف من انتفاخ الأوداج، والكبرياء، والكلمات ويحيلها إلى آفة عصبيّة تكبر بمرور السّاعات، وغرور لا يُحتمل، وكرات ثلج كلّما انتفخت ذابت في عيون المتورّطين في حلقاتها الشّائكة؟

لدينا أشكال في المولِد الأدبيّ تعيش من غرورها الوهّاج، غرور بلغ حدّ انسداد مرايا التّمييز بينه وبين انشطاب الأخلاق. كنتُ أقول حتّى للغرور حدوده، لكنّه حين يفقد أجنحة التميّز عن السّقوط يصير وبالا على أمّة كاملة. فكيف يمكن لمنابر نحترم حضورها وندين لها بتصنيع منصّات جديدة للوعي أن تجيز للتّجاوزاتِ خرابها؟. كيف تمنح هذه المناصب الفوقيّة لأشكال تغرّر بها أوداجها المنتفخة بالحنق والإستعلاء، والخواء؟ ولماذا تعزّز المواقع السّياسيّة إفراغ ساحات من كراماتها وتركها نهبا لرمي العزّة والثقّة بالحصى والشّتائم، ألأجل هؤلاء؟

حين نفقد أسماء تضيء صفحات وجودنا، لأنّ قوانين الإنتماء تحدّدها السّياسة على صفحات الفكر الحر، فعلينا أن نعترف أنّ ثقافتنا في خطر، وكلماتنا في خطر. وحين نجيز لبعض الأشكال، الّتي تتورّم بوهم نياشينها المفترضة في الثّقافة والشياكة، أن تتصدّر واجهات المربّعات والمثلّثات العاموديّة والأفقيّة فنحن في خطر. حين نتنازل بسلاسة عن قوّة الحرف الّذي يشرّف مواقعنا، ونفرشه وردا للكلام الفجّ فنحن في خطر. وحين نصفّق لأنفسنا نيابة عن الحضور الّذي سيصفّق لنا فنحن في أرذل خطر، وحين سنلتفت حولنا فلا نجدُ من يربّت على أكتافنا غير أبناء عمومتنا فقد شرّعنا فضاءنا لطائرات ورقيّة خصخصتها الفئويّة والعائليّة، وربّما لن نجد شرائط ملوّنة نزدان فيها بالأمل, وغير رصيف ضيّق اعتلى الغيمَ لنراهُ، لا يتّسع لقدميّ أنا وأنت. وربّما في عجلة إصرارنا لن يعثر علينا، كما نحن عليه الآن. مشوّهين صرنا، بالفزعِ من أنفسنا أوّلا.

 لا تصدّق أنّ الرّصيف الضيّق شأن البيت الضيّق يتّسع لألف صديق. لا أصدقاء يا صديقي ونحن نشكّل اجتماعاتنا ومناسباتنا بوجوه أشيائنا الّتي تشبهنا وأقلّ!

ما يحدث في الثّقافة والسّياسة على اعتبار أنّنا نمتلك أفق ثقافة وسياسة نزيهة أو نصبو لهما معا، يجرح قزحيّة العين حين ترى، ويلغي دفق القلب حينَ يُرى، أمّا زوارق الرّوح فحدّث ولا حرح، لا ميناء ترسو فيها غير قوافل تيه ترعبني كلّما فتحتُ كتبَ التّاريخ ووجدتها ترسو على سواحل الرّقم 48.

الشّعر الّذي تخلّف عن ركب الثّقافة منذ أجيال يحاول أن يتململ ويعاقر خيله الّتي ظلّت تصهل خلف الجسر بلا صوت، يعيدون إليها الصّهيل عبر جوائز اخترعوها من المنافي وأعادوها مكبّلة بالأصفاد إلى بيوتها المصادرة. يوزّعونها بالتّزكية، ولن أنسى، غيّروا مسار الطّائرات الورقيّة الّتي تحترق في سماء غزّة إلى سماءاتنا المفروشة بغيم يحلُم وصارت تطلق قنابل الورد لشعراء من ورق هم أيضا، كأنّهم عن سابق إصرار يخطّطون خصيا مبرمجا للحنِ الموّال وقوافي المنكوبين، والنّازحين (قشّة لفّة) دفعة واحدة.

وماذا بعد؟ هل تبقّى لنا غير الإنحسار أمام طوفان الخيانات الصّغيرة ولؤم الكبيرة. لا أوصاف أخرى أنمّقها في تسيّب الحالة غير حقائق تؤلم الورق، وتسيل عرق. إعادة ترتيب البيت وجدولة مفاهيمنا حول السّياسة الّتي تنسف طروحات الفكر العالي ضريبة لسلامة هويّتنا الفكريّة، بل والوجوديّة. لست ممّن يميلون لتلطيخ أوراق الحياة، ولو كانت مؤدلجة بعناوين برّاقة. ولا أميل لتزييف المشاهد لئلا أقع سهوا في شباك هذا القار المُصفّى. جئتُ هكذا إلى العالم، بعلا، كزرعِ الحقول الّتي تشتدّ نضارة كلّما عرّجَ عليها الماءُ غِبّاً لتزدادَ عُبّاً...

29 يونيو، 018            

GMT 20:50 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

GMT 13:22 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

بناء الانسان المصري

GMT 11:23 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 10:39 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يقول بابا نويل للطفل؟

GMT 16:16 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

​يا ملايكة الشّعر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في نسف الثّقافة في نسف الثّقافة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon