توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن «فوضى» وأخواتها: هجوم ثقافي إسرائيلي واسع النطاق سلاحه الدراما وملعبه الفضاء السيبري

  مصر اليوم -

عن «فوضى» وأخواتها هجوم ثقافي إسرائيلي واسع النطاق سلاحه الدراما وملعبه الفضاء السيبري

بقلم : ندى حطيط

لم يكتفِ الإسرائيليون باستضافةِ فرق التصوير لأعمال الدراما الأمريكيّة مستفيدين من تنوع البيئات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل هم اندمجوا في المنظومة الهوليوودية ضمن عمليات التأليف والتصوير والإخراج والمونتاج جميعها، فتعلموا «الصنعة» وأصبحوا الآن قادرين على إنتاج أعمال دراميّة إسرائيليّة مؤثرة، ذات تقنيات متقدمة، لا تقل أبداً عن مستوى الأعمال التي تقدمها هوليوود نفسها.

يعلم الإسرائيليون تماماً خطورة أدوات تشكيل الرأي العام، وهم بنوا عبر السنوات خبرات متقدمة في صناعة البروباغاندا والسيطرة على العقول، وهم لذلك تنبهوا قبل غيرهم إلى الدّور الخطير الذي يمكن أن تلعبه شبكات بث الأعمال التلفزيونية والسينمائية عبر الإنترنت مثل( نيتفليكس) (وإتش بي أو) وغيرهما في الوصول إلى أعداد غير مسبوقة من المشاهدين عبر الكوكب وتغيير كيفية تلقيهم لهذه الأعمال، وهم بدأوا في نسج علاقات عمل وثيقة مع الشبكات، فكانت البداية من الدراما السيكولوجيّة «تحت العلاج» التي بثتها (إتش بي أو)، ثم دراما الجاسوسيّة «سجناء الحرب» التي تحولت على (شوتايم) إلى منافس للمسلسل الأمريكي «هوملاند» الشديد الشعبيّة والذي كان يعرض على قنوات أخرى. لكن الاختراق الأهم كان مؤخراً للشبكة الأهم – نيتفليكس – من خلال مسلسلين عن عمل المؤسسات الأمنيّة الإسرائيليّة: الموساد – من خلال مسلسل «موساد 101» – والشين بيت من خلال مسلسل «فوضى».

لأول مرةٍ في عيونِ العبران تنبتُ مشاعر للفلسطينيين

«نيتفليكس» قررت شراء حقوق الموسم الأول لمسلسل «فوضى» وصنفته تحت الأعمال الأصليّة التي تنتجها نيتفليكس بنفسها (وهي أعمال تتسم عادة بنجاح واسع و قبول عريض من المشاهدين كما كان الحال في مسلسل «بيت من ورق» الأمريكي المعروف مثلاً)، وهي ستتولى إنتاج الموسم الثاني الذي يتم تصويره الآن في الأراضي العربيّة المحتلة بنفسها، مما يعني التزاماً كاملاً بإنجاح المسلسل على مستوى عالمي.

لا شك أن الإسرائيليين يتمتعون بعلاقات فوق العادة مع المؤسسة الهوليووديّة بكافة قطاعاتها وهذا ممكن دائماً توظيفه لعرض وجهة النظر الإسرائيليّة دون صعوبات تذكر، لكن هذا الاختراق لمنصة التوزيع الأهم في الكوكب من خلال مسلسل «فوضى» بالذات يبدو أكثر من مجرد نجاح علاقات عامة فعالة. فالمسلسل الذي يحكي بطولات فرق المستعربين سيئة الذّكر التي تعيث فساداً في الأراضي العربيّة المحتلّة يقدّم معالجة لامعة مختلفة ومتميّزة سواء على مستوى الدراما أو على مستوى التقنيات، على نحو يؤهلها في واقع الأمر لتشاهد عالميّاً.

المسلسل حاز شعبيّة هائلة عند عرضه في الدّاخل الإسرائيلي عام 2015 وفاز حينها بست من جوائز «أوفير» التي هي بمثابة أوسكار محلي في (إسرائيل)، بل ولاحظت المؤسسة الأمنيّة الإسرائيلية – التي تراقب استعمال قنوات التواصل الاجتماعي من قبل الفلسطينيين بدقة – اهتماما استثنائيا بمتابعة المسلسل ومناقشة ما يطرحه من أحداث وقضايا في الأوساط العربيّة. ومع ذلك فإن المنتج يبدو في هيكليته موجهاً أكثر لاستهلاك المشاهد الأجنبي في السوق الأمريكيّة أولاً والسوق العالمي ثانياً. فلأول مرّة على الإطلاق في تاريخ الدراما الإسرائيليّة يتم تقديم الشخصيات العربيّة على نحوٍ متوازن نسبياً من ناحيّة الوقت على الشاشة وأيضاً لناحية مدى تعقد الشخصيات الدراميّة وهكذا ولأول مرة على شاشة عبرية يظهر (الإرهابيون) الفلسطينيون بشراً لهم مشاعر ومخاوف وعائلات وغراميّات.

لكن بالطبع فإن هذه العدالة الشكليّة في توزيع الثقل الدرامي بين الجانبين لا تعني مطلقاً أن المسلسل يسعى لتقديم صورة متوازنة عن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فالقصّة في النهاية وكما هو متوقع دائماً ما هي إلاّ صراع بين الخير «الإسرائيلي» والشر «الفلسطيني»، بين الأبطال العبران والمخربين العرب أي ذات الثنائيّة المقيتة للأبيض – أسود التي تُسهل للمستهلك المُجَهَّل تلقي الأفكار مستلقياً على أريكته دون إعمال العقل ولو لثوانٍ. وتنتهي بالتأكيد بانتصار(حتمي) للمؤسسة الأمنية الإسرائيليّة مكرساً حالة الاطمئنان بين الجمهور العبري ومهدئاً أعصاب مناصري «الخير» اللطفاء حول العالم.

فوضى عرض واقعي

المسلسل الذي أخرجه أساف برينستاين كان من بنات أفكار شخصيتين إسرائيليتين لهما باع طويل في متابعة بل والانخراط في صميم عمل فرق المستعربين داخل الأراضي العربيّة المحتلة. أولهما ليور راز – وهو ضابط سابق في فرق المستعربين خدم عدة سنوات في الأراضي العربيّة المحتلّة وقد لعب أيضاً دور البطل الإسرائيلي في المسلسل ، وثانيهما آفي إسخاروف – الصحافي المتخصص في الشؤون الفلسطينية ومراسل صحيفة «هآرتس» من الأراضي العربيّة المحتلة لعدة سنوات – وهو معروف بقربه الشديد من شبكات الأمن والاستخبارات الإسرائيلية العاملة هناك ويقال إنه الصحافي الذي نشر قصة مصعب حسن يوسف ابن قائد حماس الذي تبين أنه كان طوال الوقت جاسوساً لإسرائيل.

لذا فكاتبا العمل يعلمان بالتأكيد أكثر من غيرهما دواخل العمل المعقد للجهد الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي الموجه ضد الفلسطينيين وليس عبثاً أن علقت إحدى الصحف الإسرائيليّة العبريّة على النص الافتتاحي – الذي يعرض في بداية كل حلقة من توجيه المشاهدين إلى «ان هذا عمل درامي خيالي وأن الأحداث والشخصيات فيه لا تمت للواقع بصلة»- بأنه أقرب للسخريّة، إذ يعلم المتلقي أن ما يشاهده يحمل كل جذور الحقيقة وأنه جزء لا يتجزأ من العمل اليومي للمؤسسة الإسرائيليّة في الأراضي العربيّة المحتلة، بل إن كلمة «فوضى» نفسها مأخوذة من كلمة رمزيّة كانت معتمدة عند المستعربين للتواصل في ما بينهم عندما ينكشف أمرهم ويصبح سحبهم ضرورياً من الموقع أو الدّخول في مواجهة مسلحة. بل ويعتقد أن أحد مصادر الإلهام للعمل كانت شخصية الفلسطيني إبراهيم حامد الذي أتهم بتدمير مقتل عدة عشرات من الإسرائيليين بداية العقد الماضي وطارده المستعربون عدة سنوات قبل اعتقاله في 2006، وهو كان طوال فترة مطاردته على اتصال بزوجته وأرسل لها دائماً رسائل غراميّة مما يتطابق كثيراً مع شخصية أبو أحمد – النمر – البطل الفلسطيني للعمل، والذي يركّز الموسم الأول على أحداث مطاردته.

نقل جبهة الهجوم الثقافي إلى الفضاء السيبري

من المعروف أن الصهاينة استخدموا تقنية التخفي والاندماج في التجمعات العربيّة حتى منذ ما قبل قيام الدولة العبريّة رسميّاً عام 1948، لكن الشكل الحالي لقوات المستعربين تكرّس منذ منتصف التسعينات كأداة الهيمنة الأمنيّة الأهم للأجهزة الإسرائيليّة على الفلسطينيين. تتكون هذه القوات من متطوعين هم كوادر في قوات النخبة الإسرائيليّة يتقمصون شخصيات عربيّة وتصنع الاستخبارات لهم سير حياة ملفقة وأسماء عربيّة ويتقنون الحديث باللهجات المحليّة وحتى ثقافة الشارع وطريقة التصرف وأيضاً طريقة ارتداء الملابس وتسريحات الشعر وينتهون بمثابة خلايا نائمة لمراقبة الأمور والتصرف حين تستدعي الأمور.

المسلسل الذي جاء موسمه الأول في 12 حلقة، تم تصوير معظمه في قرية كفر قاسم الفلسطينيّة التي شهدت فيما مضى مذبحة بشعة بحق السكان الفلسطينيين الأصليين.

كل الشخصيات الفلسطينيّة في المسلسل لعبها ممثلون فلسطينيون (ولذا فمعظم الحوارات هي بالعربيّة أكثر من العبريّة وترجمتها نيتفليكس إلى الإنكليزيّة كتابة). كان تصوير المسلسل عام 2014 أثناء عدوان إسرائيلي على غزّة وقتها. سارعت الطواقم الأمريكيّة التي كانت تصور هناك أعمالاً دراميّة أخرى للمغادرة خوفاً من ردود أفعال سكان كفر قاسم.

لكن فريق «فوضى» بقي، بل وتحدث إسخاروف لاحقاً عن حسن ضيافة استثنائي من قبل السكان المحليين. هذا يلّخص عندي كيف نجح الإسرائيليون في العمل الدؤوب الممنهج من الهيمنة الفكريّة على قطاعات واسعة من سكان الأراضي المحتلة، وهم الآن بنقلهم جبهة هجومهم الثقافي إلى الفضاء السيبري ربما سينجحون في مدّ هذه الهيمنة على نطاقات أوسع بكثير.

نقلا عن القدس العربي

GMT 20:50 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

GMT 10:58 2018 الأحد ,29 تموز / يوليو

في نسف الثّقافة..

GMT 13:22 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

بناء الانسان المصري

GMT 15:26 2018 الأربعاء ,18 إبريل / نيسان

الموت كتكتيك أيدولوجيّ

GMT 02:04 2018 الخميس ,08 آذار/ مارس

زيارة للبلد متعدد الأعراق ومتنوع الثقافات

GMT 11:58 2018 السبت ,03 آذار/ مارس

تغريدة آذار

GMT 11:23 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 18:47 2018 الأحد ,04 شباط / فبراير

فلسفة الموت

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «فوضى» وأخواتها هجوم ثقافي إسرائيلي واسع النطاق سلاحه الدراما وملعبه الفضاء السيبري عن «فوضى» وأخواتها هجوم ثقافي إسرائيلي واسع النطاق سلاحه الدراما وملعبه الفضاء السيبري



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon