شريف حبيب
انتشرت ظاهرة عودة اللاعبين المحترفين في الخارج، بكثرة، هذا الموسم، وبعد مدة قصيرة جدًا من احترافهم في الخارج، مثل "شيكابالا" ورامي ربيعة وحجازي وصالح جمعة وكهربا ومحمد عزت وعلي فتحي وغيرهم، وفي أعوام سابقة هناك حسام وإبراهيم حسن وحازم إمام ...
وهنا نطرح عددًا من التساؤلات، ونتأمل ونحاول تحليل تلك الظاهرة التي تكررت كثيرًا، خلال ربع قرن مضى، عمر الاحتراف في مصر، فلماذا لم يستقروا ويتألقوا في مشوار الاحتراف الخارجي؟ ولماذا لم يقتدوا باللاعبين الأفارقة من عينة دروغبا وصامويل ايتو؟ باستثناء عدد محدود يعد على أصابع اليد الواحدة، مثل هاني رمزي وأحمد حسن وعبد الظاهر السقا ومحمد زيدان، والباقي يعود بعد مدة لا تتعدى عامًا واحدا؛ ليلعب إما فى صفوف "الأهلي" أو "الزمالك".
أقصى أمانيهم !!! ...حتى من كانت بداياتهم في الاحتراف الخارجي؛ ناجحة ومبشرة، مثل أحمد حسام "ميدو" وعمرو زكي؛ سرعان ما حدث لهم تراجع في المستوى، فزكي الذي تألق سريعًا في نادي "ويغان"، وأصبح هدافا في الدوري الانجليزي؛ عاد سريعًا؛ بسب عدم التزامه مقاعد البدلاء، ثم الملاعب المحلية؛ فالاعتزال، وأيضًا "ميدو" الذي زامل دروغبا، وشتان بين ما حققه الاثنان، الأول اعتزل صغيرا، ومن دون إنجازات تناسب الموهبة والطموح، والآخر حقق شهرة عالمية، وأصبح أسطورة في المهارات والإنجازات وفنون ومتعة كرة القدم، ولازال في الملاعب حتى الآن.
وهنا يقفز السؤال المهم؛ ما السر في نجاح مشوار احتراف عدد كبير من لاعبى افريقيا السوداء وشمال افريقيا في الأندية الأوروبية وتألقهم لأعوام طوال، وتحقيقهم عددًا من البطولات مع أنديتهم الاوربية ومنتخبات بلادهم، وفي الوقت ذاته؛ يفشل لاعبونا – على الرغم من قلة الأعداد التي تحترف- حتى في الاستمرار ضمن التجارب الاحترافية لفترة طويلة؟ ويعودون جارين أذيال الفشل؟
أعتقد بأن السبب يرجع إلى بعض سمات الشخصية المصرية التي يجب أن نراجعها، أبناء وادى النيل المجتمع الزراعي-الذي كان زراعي- ويتسم ببطء الايقاع وعدم حب المغامرة والاستسهال وقلة الطموح، ذلك ما يسيطر على حياتنا وحركتنا، وحتى إننا نجد في تراثنا الثقافي عددًا من الامثلة الشعبية التي تعبر عن تلك الحالة، (امشى عام ولا تخطى أنه (قناة) ) وأيضًا ( اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفهوش)، مع أنّ الأفضل والأحسن يأتي من تبادل المنافع الحضارية والحياتية والفكرية مع "اللي منعرفهوش".
وأيضًا (على أد لحافك مد رجليك) بدل أن يجتهد ويعمل "لحافا جديدا كبيرًا" على مقاسه، "يكش رجليه ويسكت"، وفي الارتباط بالأرض وعدم تحمل الغربة والخوف منها، ومن تبعاتها فالمثل يقول (من خرج من داره اتقل مقداره) و(الغربة كربه)، كل هذا الموروث يجعل من يسافر ليس فقط اللاعبين؛ ولكن أيضًا المهندسين والمدرسين والعمال أو أي مهنة ثانية، يفكرون منذ أول يوم سفر في السؤال الأكبر؛ متى يعود إلى مصر أمنا الحبيبة؟
وهذا الفكر المبتور؛ يجعل طموحه محدود، وينحصر في تجميع ثمن شقة ومصاريف زواج وتعليم الأولاد و...، وإذا كان من لاعبي "الأهلي" أو "الزمالك"؛ فحصل على الشهرة واشترى "الفيلا والعربية وفلوس فى البنك" وعقده في مصر لا يقل عن الخارج؛ "فعلى إيه الغربه والبهدلة" !
إنها الشخصية المصرية بحلوها ومرها، بجذورها الممتدة لآلاف السنين الذي يريد النجاح يجب أن يتغير ويتعلم، وأعتقد بأن الأجيال الجديدة ستتغير؛ لأنها شاهدت عبر الفضائيات والانترنت؛ ما حققه الآخرون، وكيف الأمل بدأ مع محمد صلاح ومحمد النني أبناء "المقاولون العرب"، وأتمنى لهما مزيدًا من النجاح والتألق؛ لتشجيع غيرهم على التغيير.