بقلم : علي السلمي
تنشغل مصر بمشروع تطوير التعليم ومحاولات تجديد مناهج وأساليب التدريس وتقنيات التعليم وتزويد الطلاب بأجهزة «التابلت» والعمل على تحسين كفاءة المعلمين بما يؤدى إلى تحقيق دور التعليم فى التنمية البشرية والاقتصادية والمجتمعية، وذلك مع العلم بأن المدارس «غير مؤهلة لتطبيق النظام التعليمى الجديد، وأن مشاكل التعليم قديمة والأمر يتطلب اقتحامها» حسب قول وزير التعليم مؤخراً!
وتمنيت لو أن المسؤولين عن تطوير التعليم قد قرأوا كتاب «القول التام فى التعليم العام»، وقد اتخذته عنواناً لمقالى، لمؤلفه يعقوب أرتين ـــ وكيل المعارف العموميةـ يتحدث فيه عن أوضاع التعليم العام [الحكومى] عام 1893 وجاء فى مقدمته «أنَّه متى نَزَلَت السَّكينة بلدًا من بلاد المعمورة، وحلَّت روح النظام والعدل فيها محل الخوف والاختلال..... شعر أهالى ذلك البلد باحتياجهم للتعليم، وهمَّ العلم بالحلول مكان الجهل ... عند ذلك تكثر فى الأهلين الثقة بالمستقبل، ويقلُّ همهم بالزمن الحاضر، فيتفرَّغُونَ لتربية أولادهم، وتثقيفِ عقولهم».
واحتوى الكتاب على تقارير شاملة لأعداد المدارس وأنواعها ابتدائية وثانوية و«خصوصية» أى متخصصة ومنها مدرسة البنات ومدرسة الصنائع ومدرسة الزراعة، فضلاً عن المدارس العالية مثل الطب والمهندسخانة والحقوق. كما عرض الكتاب أعداد الطلاب فى كل مدرسة وتكلفة التلميذ سواء فى المدارس الخارجية أو المدارس الداخلية، مع الإشارة إلى قصور الموارد المالية للإنفاق على التعليم العام، والتى كانت تتمثل فى مصدرين أساسيين هما؛ «المصاريف المدرسيَّة التى تدفعها التلامذة، ثم الإعانة التى تؤدِّيها الحكومة أو يؤدِّيها شخصٌ من أهلِ البِرِّ، أو شركة، أو مجموعُ من ذكرت».
وقال أرتين باشا كان كل ما أنفق على التعليم عام 1893 «118258 جنيهًا مصريًّا فى جميع المدارس وكان عددها 55 مدرسة، 7800 تلميذ، مؤكداً» إنَّ العُسر المالى لا يكونُ مَانعًا من نشر التعليم... وإذن فالصعوبة التى لا يُمكِنُ قهرها هى قِلَّةُ المدرِّسِين، لا قِلَّة النقود!.
كما يؤكد الكتاب أن المدرِّسين ذوى الكفاءة هم عماد التعليم وأن شروط المدرس أن يَكُونَ مُتعلِّمًا، قد درس بغرض تعليم الآخرين ما تعلَّمه، وأن يكونَ تعلَّمَ العلومَ والآدابَ أو ما شاكلها من الفنونِ الصَّالحة للتلقينِ، على حسب أحسن الطرق العقليَّة، وأيسرها، وأقربها منالًا، حتى يتأتى له نقلها بكفاءة إلى تلاميذه، وأن يكونَ وعى طريق التدبُّر والفكر، حتى يسهُلُ عليه التنويع فى طُرُق التعليم، والتقريب فيها، مع مُراعاة مُقتضَى المقام، وقوَّة حافظة التلامذة، والبروجرامات التى يتعيَّنُ عليه تعليمُ مَا جَاءَ بها، ثم عرض لتأسيس مدارس المعلمين بغرض سد الحاجة إلى المعلمين الأكفاء ومنها «دار العلوم». وقد أكد أنه يٌشترط للتعليم فى إحدى المدارس الثانويَّة والعالية «أن يكون المدرس قد أتمَّ الدراسة فى إحدى المدارس المُشتملة على درجات التعليم المُختلفة، وأن يكونَ قادرًا على تأدية الامتحان فى المواد التى يُطلَبُ الامتحان فيها بفرنسا؛ لإعطاء لقب الليسنس لكفاءة التدريس فى المدارس الثانوية، ولقب أجريجيه مدرس فى مدارس الحقوق العليا ومدارس الطب وغيرها».
وقد عرض الكتاب بكل شفافية لأمور إعداد المناهج وفلسفة الاهتمام باللغة العربية فى ذات الوقت الذى يتم فيه تعليم اللغات الأجنبية على مراحل مخططة تتفق ومستوى إدراك التلاميذ مضيفاً أن تدريس لغتين أجنبيتين لا يُخشى منه على الاهتمام باللغة العربية أيضاً، وأنَّ تعليم إحدى اللغات الأوروبيَّة يؤدى إلى تقدُّم المعارف والعلوم عمومًا، وانتظامِ الإدارةِ خُصُوصًا،
وأشار الكتاب إلى «القانون الداخلى للمدارس» الصادر من نظارة المعارف العمومية عام 1891 والواجب تنفيذه فى جميع المدارس ويشتمل على مائة وستة عشر بنداً ينظم أمور نظار المدارس، المدرسين، الضباط المسؤولين عن الضبط والربط وحفظ النظام بالمدرسة، التلامذة، العقوبات التأديبية وما يتعلق بالضبط والربط، قبول التلامذة بالمدارس، والامتحانات التى تحصل فى أثناء السنة والامتحانات العمومية التى تحصل فى آخرها، وأنه يجب على كل مدرس فى كل فرقة أن يقدم فى نهاية كل ثلاثة شهور، كشفًا يعطى فيه لكل تلميذ ثلاث درجات، إحداها تختص بالتعليم، والثانية بالأخلاق، والثالثة بالدقة والمواظبة، ثم أحكام عمومية.
وقال أرتين باشا «ولستُ أَخشَى اليومَ أن أُجاهِرَ بأنَّ مدارسنا أَصبَحَت تُضَارِعُ أحسن المدارس الأجنبيَّة بمصر، من حيثُ مُعِدَّاتها، وطرق التهذيب والتعليم بها، بل يسوغُ لى أن أقولَ: إنَّ بعض مدارسنا الابتدائية والثانوية كالمدرسة التوفيقيَّة، والناصريَّة، والمدرسة الخديويَّة، يصحُّ أن تُعدُّ بين نَظَائِرِها بأيِّ مملكةٍ من ممالك أوروبا».. ودليل صدق المؤلف أن تلك المدارس أنتجت عقول مصر العظيمة، والجدير الآن هو البحث فى أسباب تردى التعليم ليكون التطوير المستهدف ناجعاً وفاعلاً.
نقلًا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع