بقلم : نرمين رفيق
أخذتني نوبة من التأمل للحظات على أثر تطور أحداث مقتل بطلة العالم الناشئة في المصارعة ريم مجدي بعد أن ألقت بنفسها من سيارة أبيها المسرعة في لحظة عابرة تملكها فيها اليأس والضعف الناتج عن قسوة حياتها، التي اختارها وفرضها عليها والدها، وحلمه هو أن تكون ريم لاعبه بل بطلة عالمية وأوليمبية، وأثقل عليها منذ طفولتها بأعباء التدريب الشاق والأحمال البدنية المرهقة، مغتالًا حقها كطفلة في اللعب والمرح والاجتماع بصديقاتها ومراسلتهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. ووجدت نفسي أعود بالذاكرة لسنوات عدة.. عندما كنت أشغل منصب عضو مجلس إدارة في منطقة القاهرة للكرة الطائرة وعضو لجنة المسابقات في الاتحاد.. وحينها قدمت تصور لإلغاء المنافسات الرياضية تمامًا حتى سن 13 عامًا، أي ما قبل البلوغ والاكتفاء بإقامة المنافسات في صورة مهرجانات يشارك بها جميع اللاعبين وينعمون بالتنافس غير الضاغط في جو من المرح والحب وروح الفريق بعيد عن قلق المنافسة وصراخ مدربيهم وذويهم وكم كانت تجربة ناجحة ومستمرة.
والآن وبعد سنوات طويلة تولي الإشراف على المصارعة النسائية المصرية لتأتي هذه الحادثة المفجعة لكل الوسط لتدق ناقوس الخطر مرة أخرى، ولتوضح الفجوة الكبيرة بين العلم والرياضة وبين الصدفة والتخطيط السليم.. فنحن نملك إدارة رياضية مصرية تقوم على مبدأ الفوز فقط ولا بديل غيره.. إدارة رياضية لا تفهم معنى اللاعب الناشئ وحقه في اللعب والتنافس غير الضاغط.. إدارة رياضية توكل تدريب الناشئين لمدرب غير مؤهل علميا ونفسيا للتعامل مع هذه المرحلة الهامه والتي هي أساس قاعدة الممارسة.
إدارة رياضية تمنح لاعبيها السابقين أحقية تدريب الصغار كمكافأة لهم على تاريخهم كلاعبين.. بالبلدي كده (خد جرب نفسك في العيال عشان لما تعمل نتيجة نخليك تمرن الكبار).. إدارة رياضية تبرر أفعالها بأن هناك منافسات في مراحل ما قبل البلوغ ينظمها اتحاداتهم الدولية.. ولكن هل تعاملون أولادنا كما يعاملونهم بالخارج؟ هل سمعتم من قبل عن انسحاب اللاعبين الصغار من ممارسة النشاط الرياضي وتفضيلهم لألعاب الكمبيوتر والبلاي ستيشن لتحتل بلادنا أقل نسب ممارسة رغم كبر تعدادنا السكاني؟ هل وجدتم دول العالم تهتم حتى بأولمبياد الشباب مثلنا أو يشغلها فوز لاعبيها في تلك المرحلة السنية؟ هل سمعتم من قبل عن انتحار لاعب لم يتجاوز الـ15 عاما بسبب ثقل التدريبات عليه وحرمانه من حقه في طفولته أو حتي اختيار حلمه هو لا أحلام والديه.
إدارة رياضية ومسؤولون وضعوا قانونا امتلأ بتعريفات وشرح عن ماهية الهيئات وأنواع الاتحادات و.. و.. و.. و.. نسى أو تناسى أن يضع تعريف لمن هو الرياضي كما جاء في الميثاق الأوليمبي حتى يظل الرياضي هو اللاعب السابق والمدرب والحكم متجاهلين باقي التخصصات من فنيين وخبراء حتى لا تتسع دائرة المنافسة الانتخابية وتظل هيئاتنا تحكمها الرجولة لا العقول لتظل قائمة على الخبرة لا على العلم على الصدفة لا على التخطيط والتوقع.. غفر الله لك يا ملاك وأبدلك دارا خيرا من الدنيا وما فيها وجعلك صحوة لكل مسؤول.