بقلم حسن المستكاوي
** حين اقتربت إجازة عيد شم النسيم قلت إنها فرصة لأن أحصل على راحة من الكتابة اليومية التى أمارسها بشكل منتظم على مدى 40 عاما.. والكتابة اليومية مثل التدريب اليومى، فإن لم تواظب عليه تفقد لياقتك. وهكذا الكتابة.
** لكن ما الذى استفزنى أو يحفزنى اليوم على الخروج من شرنقة الإجازة؟
** إنه ما حدث فى مباراة مانشستر يونايتد وبورنموث فى الأسبوع الأخير من الدورى الإنجليزى. ولا أعنى إلغاء المباراة بسبب الشك فى عبوة ناسفة، وإنما كيفية التعامل الأمنى والإدارى مع الحادث واتخاذ القرار بإخلاء مدرجات يحتشد بها ما يقرب من 76 ألف متفرج. فقد تابعت عمليات الإخلاء على الهواء مباشرة. فغادر الآلاف بنظام والتزام، ولم يحدث تدافعات، وتعاملت السلطات الأمنية باحتراف عميق وحقيقى.
** العبوة المشبوهة فجرتها وحدة ازالة الالغام التابعة للجيش، وأعلن نادى مانشتسر يونايتد أنه سيجرى تحقيقا فيما جرى لأنه عرض حياة الناس للخطر دون أى داع، لأن إخلاء ملعب أولد ترافورد المحتشد بآلاف المتفرجين كان أمرا خطيرا، لكن الحادث مضى بسلام للتعامل الجيد من جانب الجماهير. وكنت أتابع المشاهد التى تجرى أمامى كأنها بيان عملى على كيفية إخلاء ملعب به 76 ألفا و600 متفرج بالضبط، دون وقوع إصابات أو حدوث هرج ومرج، يسفر عن تدافعات وسقوط ضحايا.
لكن النكتة فى هذا كله أن صحفا بريطانية وصفت إلغاء المباراة بأنها فوضى!
** فوضى؟.. هذه فوضى؟.. بالطبع تخيلت ماذا لو أن مواطنا أو ضابطا صاح أو أعلن «عبر الإذاعة الداخلية» بملعب من ملاعبنا مكتظ بالجمهور، بأن عليكم إخلاء الاستاد لوجود قنبلة؟!!!!
** المشاهد التى تخليتها كما يلى:
** 1ــ « صراخ وهرولة.. وناس تقفز بلا وعى. وناس تجرى بغضب. وناس تبكى خوفا. وناس تسب فى الأمن..
** 2ــ «ناس تلعن كرة القدم واللى لعبها، واللى شافها، واللى يشوفها».
** 3ــ الذين فى مدرج الدرجة الأولى يصابون بالفزع، فهى مؤامرة عليهم، ويجرون نحو الذين يحتلون مدرجات الدرجة الثالثة فهم ليسوا من المستهدفين. والذين كانوا فى مدرجات الدرجة الثالثة يقفزون نحو الذين كانوا فى مدرجات الدرجة الأولى ظنا أن تلك درجة الأمن والأمان.
** 4ــ كاميرات التليفزيون التى كانت تستعد لنقل المباراة، ترتبك، وتنقل صورا للنجيل، وصورا غير واضحة ومشتتة. فيما تنهمر مياه من السماء قادمة من خراطيم الحريق التى أطلقها متطوعون لأطفاء حريق لم يبدأ.
** 5ــ وسط هذا الزخم العامر بالفوضى يصيح مسئول الإذاعة الداخلية مطالبا الجمهور بالتزام مواقعه، فى نفس الوقت الذى يأمر فيه هذا الجمهور بمغادرة مواقعه على وجه السرعة.
** 6ــ تجد وسط هؤلاء مئات ينظمون حركة الجماهير، يحركون أيديهم فى كل الاتجاهات، كمن ينظم المرور فى ميدان الجيزة، مشيرا إلى جميع السيارات للتحرك، نحو مسار ونحو عكس هذا المسار»!
**
تنتهى المشاهد بصوت سارينات سيارات الإسعاف والحماية المدنية والشرطة، التى تمتزج بصوت المذيع فى الإذاعة الداخلية وهو يصيح قائلا: مفيش قنبلة. مفيش قنبلة. نرجو الهدوء. ثم صوت شادية وهى تشدو: يا حبيبتى يا مصر..يا مصر.