بقلم : حسن المستكاوي
** أولًا : فرحة المصريين عامة وحقيقية وجميلة بالفوز على غانا.. فلا يوجد شخص واحد في تلك الأرض لم يفرح. ومن لم يفرح فهو من خارج الأرض!
** ثانيًا : أرفع القبعة للمدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر. وكنت كلما سُئلت عن رأيي في مستواه أُجيب بأنه لم يُختبر بعد. وقد كانت مواجهة منتخب غانا الرهيب اختبارًا في مادة "الدفاع أمام الأقوياء".. وصك النجاح هو أن المنتخب خرج فائزًا رغم سيطرة النجوم السوداء.. وأن تلك السيطرة بحجمها الكبير ووقتها الطويل لم تسفر عن صناعة فرص متتالية هددت مرمى عصام الحضري الذي تألق في التصدي لفرصتين.
** والآن أدخل في الموضوع.. القلق الذي أصاب الملايين أثناء مباراة المنتخب مع غانا هو قلق صحي، وقلق وطني، وقلق الحبيب المحب. فلا تترجموا ذلك على أنه "شماتة أو فلسفة" وإلا فإن الشعب المصري كله بات فيلسوفًا عظيمًا وصادقًا.. وكذلك لا يجوز ولا يجب أن تختصر تلك المباراة في هذا السؤال التقليدي: هل كنتم تفضلون أن نلعب مثل غانا ونخسر أم نلعب كما لعبنا ونفوز.. وهو سؤال يعادل حيرة الحائر القديم: البيضة أم الفرخة؟.
** منطقيًا وبديهيًا: الأداء الجيد يقود إلى نتيجة جيدة.. تلك هي القاعدة ولا أنظر إلى الاستثناء. ولكن المشكلة أن البعض، وهو كثير، يفوق بعض البعض، لا يدركون ما هو الأداء الجيد. أو هم يرونه فقط في برشلونة وألمانيا والبرازيل حين كانت البرازيل.. هذا أداء "سوبر". بينما هناك أداء جيد يمكن أن تراه في ميلان تحت قيادة أريجو ساكي. وفي أتلتيكو مدريد تحت قيادة سيميوني وإيطاليا تحت قيادة بيرزوت أو كونتي، ويمكن أن تراه أيضًا في ليستر الموسم الماضي تحت قيادة كلاوديو رانييري. وهي فرق تدافع لكن انظر إليها جيدًا ولتكن نظرتك عميقة لو سمحت ولا تجعلها انطباعية هوائية: «كيف يهاجمون حين يمتلكون الكرة»؟.
** هذا ما يحتاجه المنتخب.. أن يطور هيكتور كوبر الأسلوب حين يمتلك الفريق الكرة، ليبدأ هجومه المضاد. فالفريق دافع أمام الكونغو لكن هجومه كان أسرع وأكثر تنظيمًا. ولم يجد فرصة حقيقية لتنظيم هجومه أمام غانا على مدى المباراة، ولن أقول إنه لم ينظم سوى ثلاث هجمات، أحرز منها هدفين، على مدى تسعين دقيقة.. وهذا الأسلوب لا يمكن له أن يسير على مستوى كأس العالم.
** الضغط العالي صيحة كرة القدم الجديدة ولكنه أسلوب يحتاج إلى مهارات خاصة ولياقة بدنية فائقة. فمنتخب غانا كان يضغط على لاعبنا الواحد الوحيد بأربعة لاعبين أو ثلاثة، بينما لاعبنا إذا ضغط فهو يضغط وحده ووحيدًا. والفكرة من هذا الضغط العالي، كما فعل منتخب غانا، هي حرمان المنافس من بناء الهجمات، ومن شن هجوم مرتد منظم. بل العكس دفعه إلى إطلاق كرات طويلة طائشة تضل طريقها دائمًا إلى الزميل.. (راجعوا الشوط الأول كله).
** دافع المنتخب طوال المباراة بستة لاعبين غالبًا. وهم عبدالشافي، وعلي جبر، وحجازي، وفتحي، والنني، وطارق حامد. وأجبر منتخب غانا الثنائي النني وحامد على التراجع أمام الصندوق أو أجبرهم كوبر في إطار تكليفاته للاعبيه بمهام محددة. ولذلك بدا الوسط خاليًا، واعتبر هذا الخواء مسؤولية النني وحامد. ولكن في جميع الأحوال كان تراجعهما مساندة وإنقاذًا لخط الظهر، بينما كُلف عبدالشافي وفتحي بالبقاء في الخلف دون التقدم بعد منتصف الملعب سوى في أضيق الحدود. وهكذا بدت هناك مسافة بين الفريق وبين مهاجميه الأربعة، تريزيجيه، وصلاح، وباسم، والسعيد.
** أفضل تغيير أجراه كوبر هو خروج باسم مرسي والدفع برمضان صبحي الذي يشبه بطريقة لعبه المجالدين الرومان، فقدمه مثل سيف مبارزة وقوته مثل جسد مصارع. وكذلك ظل باسم طوال الشوط الأول أسيرًا محتجزًا وسط أشجار السنديان في دفاع غانا، ينتظر كرة عرضية لكنها لم تأت. وينتظر هجمة منظمة داخل الصندوق ولكنها لم تحدث. ثم ما قيمة وجود رأس حربة داخل الصندوق بدون شن هجمات من الطرفين بواسطة جناحين ظهيرين؟
** لم يلعب محمد صلاح كرأس حربة صريح. وإنما هو مهاجم متقدم. فالفارق بين باسم وصلاح أن الأول يدخل منطقة جزاء غانا حين نمتلك الكرة، والثاني لم يدخل منطقة جزاء غانا وليس مكلفًا بدخولها.. فلماذا يدخلها والفريق أصلا لا يقترب منها، والمرة الوحيدة التي اقترب منها سجل المنتخب هدفه الثاني.
** نجوم المباراة بالترتيب: تريزيجيه الذي تحرك دفاعًا وهجومًا. أحمد فتحي الذي سيطر على الجبهة اليسرى لغانا.. ولعب كعادته بجدية تصل إلى مستوى الغضب. ثم عصام الحضري بخبرته ولياقته. وخط الظهر كله الذي أحسن التغطية. ويبقى أن الأسلوب الذى لعب به المنتخب في مغامرة ومخاطرة، ولكن من المؤكد أن اللعب المفتوح أمام هذا الفريق القوي جدًا كان سيكلفنا الكثير من الأخطاء والأخطار.