بقلم: حسن خلف الله
هذا هو عصام الحضري، هذه هي طبيعته، وهذه لغته وردوده، فليس غريبا أن يرد، على إشادة كاسياس حارس ريال مدريد السابق بعبارة "حبيبى يا عمّ الناس"..لأنها طريقته في الكلام ولغته في الرد والشكر، ورغم أن هذه العبارة نالت الكثير من سخرية البعض، إلا أنها تحمل بلاغة في التعبير عن الإنسان البسيط الذي لم يتغير رغم سنوات من النجومية والجلوس تحت الأضواء بما فيها من انتصارات وانكسارات في بعض الأحيان.
لم يكن مستغربا لديّ أن يكون رد الإشادة من الحضري بهذه الكيفية، لأنه لا يعرف كيفية غيرها، ولا يختلف لديه التعبير الخاص عما هو عام أمام الجميع، وأنه كان من الأفضل أن يستعين بأحد يكتب له ردا أفضل من ذلك، ولكن هذه أشياء قد لا تمثل فارقا لديه، لأنه يريد أن يعيش بطبيعته، وهذا ليس أمرا يدعو للسخرية، وإنما بالإشادة، وكذلك التحية، لأنه يثبت مع الأيام سبب استمرار هذا الحارس بهذا النجاح حتى هذا السن، ويكشف العمق في حكاية الحضري مع كرة القدم، وسر "جامايكا" أو "شمهمورش" الذي يحرسه حتى الآن، فهي بالفعل حكايات مضحكة، لأنه لو كان الأمر كذلك لما رأينا تلك الأهداف الكوميدية التي تتهاوى من بين أقدامه في مباريات الدوري، وإلا كان العفريت الذي يستعين به ليس شمهورش، ولكنه "خورمورش" .. مشتقة من كلمة "خرم"!!
الحضري يكشف كل يوم أنه رجل يتوكل على الله فيرزقه، ويجتهد فينجح، لأنه لو كان السحر سلاحا في كرة القدم، لفازت دول بكأس العالم رغم ضعف مهاراتها، وتواضع مستوى لاعبيها، ولمنعت تعاويذ الساحر أهداف المسحور. إنه يمثل نموذجا للمصري البسيط، وقد كتبت قبل بطولة الأمم في الغابون عن ذلك اللقاء الذي جمعنى به وقتها، وكيف شعرت أنه شابا منتعشا بما قدمه مع المنتخب في مباراة غانا بتصفيات كأس العالم، وللأمانة، فقد تحمل الحضري كثيرا في السنوات الأخيرة، وظن الكثيرون أنه انتهى على مستوى المشاركات الدولية مع المنتخب الوطني، ولم يعد هناك فرصة لظهوره من جديد، في ظل وجود حارسين شابين هما أحمد الشناوي وشريف إكرامي، ولكن عزيمته كانت أقوى من كل شيء، ليعود.. ويتألق، ويرقص من جديد فوق الشباك، وليضرب أمثلة كثيرة (وليس مثلا واحدا) في أن تقدم العمر ليس مقياسا على انتهاء العطاء.
ويمثّل الحضري نموذجا لهولاء الأبطال الذين كتب عنهم الكاتب البريطاني توماس كارلايل في كتابه "الأبطال وعبادة البطولة"، وتحدث عنهم وآمن ببطولاتهم على مدى التاريخ، من الذين علموا أنفسهم بأنفسهم، فالتاريخ في أي لعبة هو تاريخ ما أنجزه النوع الإنساني فيها، وكيف أن الإيمان والعمل كانا بالنسبة للكاتب هما الأساس المهيمن على حياة أبطاله، ولاسيما حين يقول: "إن الإنسان يعيش لأنه يؤمن بشيء ما، لا لكي يجادل ويساجل حول الكثير من الأمور، وربما هذا ما يفعله الحضري، وربما يكون أيضا سر نجاحه حتى الآن، لأن لديه هدف يؤمن به ويعمل من أجله، وبالتالي لا يشغله الجدل الذي يحيط به في أحيان كثيرة، ولا السخرية من طريقته في التعبير.
وبعيدا عن الكلمات الإنشائية التي قيل الكثير منها عن الحضري بعد ظهوره الجيد في مباريات كأس الأمم الأفريقية، أعتقد أن الحكمة الوحيدة التي أقف عندها مع الحالة التي تحيط بالحضري حاليا، أن من يركز في هدفه سيصل إليه، لأن الله شاء، ولهذا فهو يستحق حاليا ما ناله خلال الأيام الماضية من اهتمام إعلامي، فهكذا تكون المكافأة، والتي تنبع من إشادة الناس أولا، ولكن .. للأسف سيحدث العكس مع أقرب اهتزاز لمستواه!!.. وسيقولون وقتها أن صاحبه "جامايكا" تخلى عنه!!.. ولكن لا يهمك "يا عمّ الناس"!!