توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"الكاريوكا"

  مصر اليوم -

الكاريوكا

يونس الخراشي
يونس الخراشي

الطقس في "ريو دي جانيرو" مزاجي إلى أقصى حد؛ يلزمك دائما بأن تتأكد جيدا من طبيعته قبل أن تقرر ما سترتدي؛ فقد تكتشف أنه حار جدا دون مقدمات. وقد يفاجئك بأنه معتدل تماما، عكس ما كنت تتوقع، وقد يضطرك إلى ارتداء لباس الشتاء، للاحتماء من مطر بارد وأنت تستعد ليوم جميل. قبل أن نأتي إلى هنا قيل لنا حتى إننا اليوم لم نعد نذكر بالضبط من قال ذلك، فاضطررنا إلى استعمال الفعل المبني للمجهول، بأن "ريو" تعيش فصل الخريف، ويلزمكم أن تستعدوا للبرد جيدا. وحين وصلنا، وقد لبسنا ما يليق بالبرد، خنقنا حر "شرقي" منا من لم يعهد مثله من قبل.

ومع مرور الأيام، إذ كنا مثل المجانين نركض في كل اتجاه ببوصلة شمالها أولمبي بامتياز، اكتشفنا أن من أرشدنا، ونحن في الرباط، بخصوص الطقس، لعله ضغط بالخطأ على اسم بلد آخر في موقع "غوغل"، فنقل إلينا معلومات مغلوطة بـ"صنطيحة" تستحق ميدالية ذهبية من عيار ٢٤ قيراطا. الطقس هنا مثلما "شعب ريو" يشبه حصانا غير مروض، قد يركض فجأة وهو يقف هادئا كما لو أنه مرسوم في لوحة قديمة. وربما تسمَّر في مكانه بعد قفزة شيطانية ماردة؛ فترى البشر وديعين كوردة، ثم إذا هم ينطلقون في ضحكات هستيرية تملأ المكان صخبا، وقد يرقصون دون موسيقى، وكأنهم الموسيقى نفسها، أو كأنما موسيقى ما لاحت لهم خفية دون أن يسمعها غيرهم. وقد يفعلون هذا وذاك في آن واحد بشكل لا يفعله إلا "الكاريوكا". 

ولأنهما يشبهان بعضهما، أو لنقل إنهما توأم، فإن "الكاريوكا"، وهي تسمية أهالي ريو، منسجمون إلى أقصى حد مع طقس المدينة العملاقة، بل قل هما في تماه تام، حتى إنك لا ترى أي ضجر لسكان ريو من مناخها، بحيث يلبَسون ثيابا خفيفة جدا باستمرار؛ فيمشون الهوينى أو بالهرولة وقد تزيوا بقمصان خفيفة وسراويل قصيرة على الأغلب، ولا مشكلة لديهم إن كانت السماء تمطر أسياخ شمس حارقة أو زخات ماء منهمر. 

في كتابه "الأدب في البرازيل" يؤكد الدكتور شاكر مصطفى هذا المنحى، مشيرا إلى أن شخصية الإنسان البرازيلي ذات طابع خاص، ويقول عن "ريو" وأهلها بالتحديد "جوها الأوركيدي المجوني لا ينسجم مع تمثال المسيح المشرف عليها من عَلِ باعثا في النفوس الشجن... إنها في قرارة نفسها وثنية الروح، وثنية السلوك، وثنية الإسراف والمرح والاحتفالات... وبالرغم من شح المياه تارة، ومن فيضان المجاري تارة أخرى، ومن انقطاع الكهرباء ثالثة... فإنها آخر من يأبه لكل ذلك... ففي الجنة ليس ثمة من يسأل عن مثل هذه الأمور... لكنها تقبر في الأعماق مأساتها، وفقرها الزنجي، وتلهو عن مآسيها بأمجاد كرة القدم، وينتظر المعدمون من سنة إلى أخرى موسم الكرنفال".

هذه الشخصية المزاجية المحبوبة على كل حال، ويدل على ذلك أن "ريو" هي عاصمة السياحة العالمية، تظهر تقلبها المثير والجميل كل حين، حتى إن مظهر المدينة نفسه يبرز تلك المزاجية؛ إذ تطالعك "الفافيلات"، وهي العشوائيات، وأنت تحدق في العمارات الشاهقة البديعة، وتشمئز عيناك بما خلف الجبال "الكديات"، من دور فوضوي الشكل كثيرة العدد، وأنت تستمتع بما ينهض أمامك من مبان رائعة، ويقال لك، دون أن تستطيع تصديق ذلك، إن "جيدوكا" فاز لتوه بميدالية ذهبية في الأولمبياد، فإذا به يعود بكدمة في عينه من "كوباكابانا"، بعد أن سرق منه هاتفه، وتلقى ضربة في العين.

إنها بحق عاصمة المزاجية، في المناخ، وطبائع الناس، وعمرانها، وإفرازات المجتمع، بل وحتى في طبيعتها البحرية الجبلية، وبالتأكيد في سائقيها الذين يدهشونك باستمرار وهم "يطيرون" بمركباتهم كأنما هم أطفال وقد اكتشفوا لعبة للتو، مع أنهم بوجوه وديعة ومسالمة لا تتوقع منها تلك السرعة المرعبة التي قد تكون قاتلة لولا أن الناس هنا مع مزاجيتهم الخالصة يحترمون ممر الراحلين حد التقديس.

GMT 06:10 2016 الثلاثاء ,27 أيلول / سبتمبر

"أزيتي.. أزيتي"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكاريوكا الكاريوكا



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon