بقلم حسن المستكاوي
** «هكذا أرجو أن تتذكرونى بعد رحيلى.. تذكرونى كرجل أسود، فاز ببطولة العالم فى الملاكمة للوزن الثقيل. رجل خفيف الظل يملك روح الدعابة. رجل لم ينظر أبدا إلى أسفل ليرى هؤلاء الذين ينظرون إلى أعلى كى يروه. رجل قاتل من أجل الحرية والعدل والمساواة. ولن أمانع إذا نسى الناس كم كنت وسيما»..
** هذه وصية محمد على التى تمنى أن نتذكره بها. وقد كان هو بالفعل من نرغب أن نتذكره. بطل العالم والأسطورة الرياضية. لقد مات الملك. وليس بعده على الحلبة ملك يهتف له الناس بحياته. حتى ديناصورات الملاكمة الآن وأغناهم وبما حققوه من ألقاب لا يقتربون من عرش محمد على.. هذا الملاكم الذى امتلك الحلم والإرادة والرؤية.
** فى السابع من سبتمبر 1960 بدأت رحلة المجد، وهو اليوم الذى فاز فيه محمد على بميدالية ذهبية فى وزن خفيف الثقيل لدورة روما الأوليمبية. لكن العالم عرفه أكثر كملاكم له أسلوبه الفريد حين بدأ طريق الاحتراف. وحين هزم سونى ليستون الذى كان يوصف بأنه شرير الحلبة عام 1964.. وكانت صورة محمد على وهو يطلق صرخة الانتصار أمام ليستون الملقى أرضا من أهم الصورة الرياضية فى القرن العشرين. وذلك حين هزمه للمرة الثانية فى 25 مايو 1965.. وقد أبهر العالم بهذا المزيج من السرعة والرشاقة والقوة والأسلوب والذكاء.
** من اقواله الطريفة: «أنا سريع جدا لدرجة أنى أغلقت النور فى غرفتى وكنت بالفراش قبل أن تظلم الغرفة»..
** نتحدث عن أسطورة خالدة. فقد جعل محمد على الملاكمة فنا راقيا ونبيلا. وكانت مشاهدة مبارياته متعة حافلة بالإثارة. فهو الذى أطلق تعبيره التاريخى الذى يعكس أسلوبه: «أحوم مثل الفراشة. وألسع مثل النحلة». فكان يتحرك حول خصومه على الحلبة، ويحوم، ويهرب من لكماته برشاقة وبراعة، ويجهد خصمه لأن ضرباته تذهب إلى الهواء. فكان محمد على يتفادى تلك الضربات بإعادة رأسه إلى الخلف أو بالمناورات بوسطه. كان فنانا مذهلا. وكنا ننتظر مبارياته لنتابعها على الهواء مباشرة ولو كانت فى الرابعة صباحا.
** محمد على كان أيضا بطلنا الذى أعلن إسلامه، ورفض خوض الحرب فى فيتنام وكان شجاعا ومتحديا فى إعلانه، لأنه كان وسط مجتمع يعانى من عنصرية ضد السود، ويشهد حركة مناهضة لتلك العنصرية يقودها السياسى الأسود الشاب مارتن لوثر كينج الذى أغتيل فيما بعد.. وكان جيلنا يرى محمد على مقاتلا ضد الأمبريالية الأمريكية، ويحاربها بالانتصارات الرياضية، وبضرباته القاضية التى يوجهها إلى خصومه.
** من أقواله الشهيرة أيضا: «أنا أمريكى. أنا الجزء الذى لن تعرفوه ولا تعرفونه. لكن عليكم أن تعتادوا على. أسود. واثق. مغرور. اسمى لا يعنيكم. دينى لا يعنيكم. أهدافى ملكى اعتادوا عليها»..
** فى تاريخ الرياضة عشرات الرواد والأبطال الذين حققوا إنجازات رائعة، لكن قدرات وأسلوب وشخصية محمد على ونضاله، وانتصارته، وانكسارته جعلته زعيما عظيما. ولم أعرف أبدا شخصية رياضية حظيت بمثل هذا القدر من الوداع الإعلامى العالمى بكل اللغات. ومنذ لحظة إعلان رحيلة بات ذلك خبرا فى كبرى المحطات التليفزيونية العالمية. وفى صحف العالم من أمريكا إلى الصين ومن فنزويلا إلى اليابان.. فقد مات ملك ولا ينتظر أن ترى حلبات الملاكمة ملكا جديدا يستحق أن يهتف له عالم اللعبة بطول الحياة..