محمود حساني
الدرس الأول في كلية التجارة ،أن الاقتصاد في النفقة نصف العيش ، وأن أول خطوة لتنمية الموارد المالية لأي منشأة أو كيان هو ترشيد أوجه الأنفاق ، وقبل هذا وبعده ، نهانا الله في كتابه العزيز عن الإسراف والتبذير فقال: ( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفور
).وقال: ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ).
وقال تعالى في صفات عباد الرحمن: ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما). هذا هو دِينُنا، ينهانا عن الإسراف والتبذير، ويأمرنا بالاقتصاد والتوسط والاعتدال في الأمور كلها، ولكن من المؤسف أن تغيبَ هذه الوسطية عن حياة كثير من الناس، فكمْ هُمْ هؤلاء الذين تورطوا في الإسراف والتبذير؟ وكأنهم لم يقرأوا قول الله تعالى في كتابه الحكيم: ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لايحب المسرفين ) ، وكَمْ هُمْ هؤلاء الذين تجاوزوا ما يَكْفِي ويُغْنِي إلى ما يُلْهِي ويُطْغِي؟ وكأنهم لم يَسْمعوا قَوْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم :((كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِى غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ)) . وَقَولَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:"كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ " .
أصبح قبول دعوة التقشف التي اطلقتها الحكومة المصرية ، برئاسة المهندس شريف إسماعيل ، ومن قبله الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما كان وزيراً للدفاع ، أمراً حتمياً ، في ظل ما تمر به مصر من أوضاع اقتصادية صعبة ، سيدفعها ثمنها الجميع ، ما لم نتعامل معها بقدر من الحكمة ، لذا لم يعد مقبولاً حجم التبذير غير المنطقي الذي يعيش فيه قطاع عريض من المواطنين ، من استهلاك للكهرباء ، ليس في حاجة إليه ، كترك معظم " لمبات" المنزل مفتوحة ليل نهار ، والإسراف الشديد في استعمال المياه داخل المنزل ، على الرغم من أن الرسول نهانا عن ذالك ، كما قال سيدنا محمد –صل الله عليه وسلم- " لا تسرف ولو كنت على نهر جار" ، فلا سبيل أمامنا لمواجهة الأيام العجاف التي نمر بها سوى بالتقشف .
وحتى يُسفر عن دعوة التقشف ثمارها والنتائج المرجوة منها ، على الحكومة أولاً أن تعمل بها ، وتتخلص تماماً من مظاهر البذخ والإنفاق في كل افتتاح تقيمه ، وتُعيد النظر في مئات المستشارين الذي يعلمون في الوزرات والمؤسسات الحكومية ويتقاضون ملايين الجنيهات ونحن في أمس الحاجة إلى كل مليم ، وضرورة إعادة النظر في أكثر من 140 ألف سيارة حكومية يصرف عليها ملايين الجنيهات من وقود وصيانة ، تُستخدم أغلبها في قضاء مصالح المسؤولين وأسرهم ، وهناك الكثير والكثير من الوقائع عن مظاهر البذخ والتبذير داخل المؤسسات الحكومية . فعلينا أن نتقشف قبل فوات الأوان ، فالجميع سيدفع الثمن خلاف ذالك.