عزيزي القارئ... لا تنزعج واستمر في قراءة المقال. أحياناً أتعمد أن استخدم عنوان صادم لا يلخص بالضرورة الآراء الواردة في متن المقال. وأهدف بذلك لفت الانتباه إلى وجهات النظر المتباينة، ثم الاستنتاجات، وأختم بوجهة النظر التي أتبناها والتوصيات. وفي سبيل ذلك أتحمل بصبر واضح هجوم من يكتفي فقط بقراءة العنوان، ولا يكلف نفسه عناء قراءة التفاصيل الواردة في المقال. إذن عزيزي القارئ أدعوك لقراءة متأنية للمقال، ولا تكتفي بالتفاصيل التي أثارتها وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي أدت إلى لغط شديد حول مشروع قانون بتعديل القانون الخاص بدخول وإقامة الأجانب في مصر والخروج منها، واستحداث فئة جديدة لإقامة الأجانب بموجب وديعة نقدية لا تقل عن 7 ملايين جنيه. هذا التعديل الذي يُعرف إعلاميا بقانون بيع الجنسية المصرية.
الحقيقة أن نص مشروع القانون المقدم من الحكومة يخص تعديل بعض أحكام "القرار بقانون رقم 89 لسنة 1960، بشأن دخول وإقامة الأجانب في مصر والخروج منها"، و"القانون 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصريّة"، والذي يسمح للأجنبي المقيم في مصر بوديعة نقدية، بالحصول على الجنسية المصرية.
ينص التعديل على تقسيم الأجانب من حيث الإقامة إلى أربع فئات وهي؛ أجانب ذوي إقامة خاصة؛ أجانب ذوي إقامة عادية؛ أجانب ذوي إقامة مؤقتة؛ أجانب ذوي إقامة بوديعة. الأجانب ذوو الإقامة بوديعة هم الأجانب الذين يقومون بإيداع وديعة نقدية. وعرف مشروع القانون الأجانب ذوو الإقامة بوديعة بأنهم الأجانب الذين يقومون بإيداع وديعة نقدية (وديعة لا تقل عن 7 ملايين جنيه مصري على الأقل أو ما يعادلها من العملة الأجنبية) .
كما شمل مشروع القانون تعديل "قانون الجنسية المصرية، الصادر بالقانون رقم 26 لسنة 1975"، حيث يجوز بقرار من وزير الداخلية، منح الجنسية المصرية لكل أجنبي أقام في مصر إقامة بوديعة مدة خمس سنوات متتالية على الأقل، سابقة على تقديم طلب التجنس ووفقا للضوابط المنصوص عليها في "القانون رقم 89 لسنة 1960، بشأن دخول وإقامة الأجانب في مصر والخروج منها"، متى كان بالغا سن الرشد، وتوافرت فيه الشروط المبينة في هذا القانون".
ويصدر بشروط وقواعد تقديم طلب التجنس، قرار من وزير الداخلية، بعد موافقة مجلس الوزراء، وفى حالة قبول طلب التجنس، تؤول قيمة الوديعة للخزانة العامة للدولة.
يرى المؤيدون لتعديلات قانون الجنسية أنها تحفز على كسب ثقة المستثمر الأجنبي وتدعم قدرة الدولة على جذب مزيد من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال الأجنبية. وأن طلب الحصول على الجنسية متبع في في كثير من الدول الأجنبية. فعلى سبيل المثال، يمكن الحصول على الجنسية الأمريكية من خلال استثمار 500 ألف دولار في أي منطقة نائية، أو استثمار مليون دولار في المدن الكبرى، ويحق للشخص أن يحصل على الجنسية الأمريكية بعد خمس سنوات من الإقامة. ويمكن التقدم للحصول على الجنسية الانجليزية، مقابل استثمار 200 ألف جنيه إسترليني بعد 5 سنوات من الإقامة. ويمكن الحصول على الجنسية الأسترالية مقابل إنفاق 4.7 مليون دولار والإقامة فيها عامين للحصول على الجنسية كمستثمر.
لذلك فطلب منح الجنسية من الأجنبي المقيم في مصر بوديعة لمدة 5 سنوات ليس بدعة، فهو متبع في دول كثيرة، ومنح الجنسية لن يكون أمر حتمي أنما يخضع لقرار وزير الداخلية بعد مراجعة الشروط الأمنية، ويجوز رفض الطلب إذا لم تستوفي شروط الجنسية.
أما المعارضون يرون أن التعديلات على القانون لن تفيد الدولة ولن تزيد الاستثمار الأجنبي، وستزيد من أعداد اللاجئين مستقبلا إلى مصر بسبب الأوضاع غير المستقرة في بعض دول الشرق الأوسط، فضلا عن أن مصر تكتظ بالسكان وتعاني من نقص الخدمات. كما أن التحجج بزيادة الاستثمار غير واقعي، فهناك فارق بين الإقامة والجنسية، وأن المستثمرين يطلبون تسهيل إجراءات الإقامة وليس الحصول على الجنسية. وعلى سبيل المقارنة، الأجانب من مختلف الجنسيات الذين يقيمون في الدول الخليجية، والذين يملكون استثمارات ضخمة لا يحصلون على الجنسية مهما طالت مدة اقامتهم وبلغ حجم استثماراتهم. أما الدفع بأن ثراء الدول الخليجية يجعلها لا تحتاج إلى الاستثمارات الأجنبية فهو غير صحيح.
وبعد عرض وجهتي النظر المؤيدة والمعارضة، فأنا لا أميل إلى التأييد المطلق للتعديلات على القانون والسماح بمنح الجنسية حتى في وجود الضوابط المشار اليها. إذا كان الأمر يتعلق بتشجيع الاستثمار، لماذا تمنح الدولة الجنسية للمستثمر في حين أن اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار قد منحت الإقامة للمستثمرين غير المصريين وحق استخدام العاملين الأجانب. تشترط اللائحة التنفيذية أن يكون المستثمر مؤسساً أو مساهماً أو شريك في شركة أو صاحب منشأة وألا تزيد مدة الإقامة عن مدة المشروع. وتلغى الإقامة حال تخارجه من الشركة أو محو قيد الشركة بناءً على التصفية أو محو المنشأة من القيد في السجل التجاري.
إذن إذا كانت الحوافز والتيسيرات للمستثمر الأجنبي قائمة بالفعل، لماذا يتم تعديل القانون ليسمح بمنح الجنسية بعد استيفاء الشروط والموافقات؟ هل مصر في حاجة إلى مزيد من السكان – وإن كانوا أثرياء؟
الخلاصة أني لا أتبني نظرية المؤامرة وبيع الجنسية التي يروج لها في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وفي الوقت ذاته، لا أجد المبررات الكافية التي ترى أن التعديلات الجديدة في القانون سوف تشجع المستثمر الأجنبي على ضخ استثمارات في مصر.