بقلم- محمود حساني
درسنا في المرحلة الابتدائية أن الرياضة تهذب النفوس وتفيد الأبدان، وتمتع الوجدان عندما تحكمها قواعد الروح الرياضية، فيتواضع الفائز ويخفف عن المهزوم الذي يتقبل النتيجة ويبارك لزميله، وحتى لسنوات ليست ببعيدة كنا نرى مثل هذه المشاهد في ملاعبنا، حتى تحولت المنافسات الرياضية إلى معارك بكل ما تحمله الكلمة من معنى يسودها العنف والوحشية ومشاعر الكره والبغضاء، وهو أمر يشوه وجه الرياضة ويفسد متعتها.
فالتنافس الرياضي أساسه الحب والاحترام المتبادل بين اللاعبين والجماهير، فمتي تخطى خطوط المحبة، أصبح تنافسًا غير شريفًا. إذن من المسؤول عن غياب الروح الرياضية؟ تبادر إلى ذهني هذا السؤال وأنا أتابع ما حدث بين لاعبي الأهلي والزمالك عقب نهائي كأس مصر، الذي أسفر عن تتويج الزمالك بالكأس للمرة الرابعة على التوالي، ولا يختلف حال جماهير الفريقين عن حال اللاعبين، فعقب انتهاء المباراة تشابك جمهور الناديين في المقهى التي أجلس عليه في وسط القاهرة، وتبادل الجماهير السباب والشتائم، واشتبك الجمهوران بالأيدي والكراسي، ولا يختلف الحال في وسط القاهرة عن السويس، فقد تحولت احتفالات جماهير الزمالك إلى اشتباكات بالحجارة بين جماهير الفريقين مع تبادل الشتائم والهتافات المعادية .
المُحزن أن الشغب أصبح عادة لدى جماهير بعض الفرق حتى عند فوز فريقها، أي أنه يشرع فور إطلاق الحكم صافرة النهاية في التخريب الذي يبدأ من الملعب وينتهي في الشوارع، من تكسير لحافلات وسيارات أصحابها لا يمتُّون لكرة القدم بصلة، ذنبهم الوحيد أن الأقدار رمت بهم في تلك اللحظة في طريق هؤلاء المشاغبين.
أتفق تمامًا مع من يرى أن هناط طائفة من اللاعبين تحتاج إلى الكثير من الردع لكبح جماح هؤلاء المخالفين للسلوك الرياضي والغائبين عن الوعي والفاقدين الروح الرياضية.
يا سادة، علينا أن ننتبه كثيرًا أمام ما يحدث في ملاعبنا وخارج ملاعبنا؛ فالرياضة هدفها الأول والأخير هو خلق روح من المشاركة والمنافسة الودية في إطار مجموعة من القوانين التي تنظمها وتجعلها في غاية الروعة ذات روح رياضية عالية، لكن للأسف ما نراه الآن مؤشر خطر على المجتمع، المنهمك في أمراضه وأزماته، ويجد في الرياضة متنسفًا عما هو فيه؛ فقد تحولت ملاعبنا إلى ميدان لشغب وتصفية الحسابات، وصارت الكرة رمزًا للتعصب الفكري والأخلاقي بين الجماهير خِلافا لما أمر به ديننا الحنيف وما أوصانا به رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بأن نترك عنا العصبية وسماها "دعوى الجاهلية". مؤلم جدًّا يا سادة، أن نرى نماذج للأخلاق الرياضية الفاسدة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي ينبغي أن تكون مترفعة عن كل ما هو تافه، بينما نرى الروح الرياضية متجسدة بالفعل عند الغربيين والأوربيين.
أعود وأتساءل مرة ثانية، من المسؤول عن تفشي هذا السرطان داخل مجتمعنا؟ إنه غياب الوعي، وغياب الثقافة الرياضية، وغياب دور الإعلام والمنابر التي تسمح للشباب بالتعبير عن أنفسهم وإيصال أصواتهم بالطرق السلمية والحضارية، وغياب التواصل مع المسؤولين، أضف إلى ذلك الجهل والبطالة والمشاكل الاجتماعية.