محمود حساني
علينا أن نتوقف كثيراً أمام الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الإثنين الماضي، إلى القارة الأفريقية ، والتي وصفتها عدد من وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية بـ"التاريخية" ، والتي تأتي في وقت بالغ الأهمية والحساسية بالنسبة لمصر ودول المنطقة ، لاسيما أن نتنياهو هو القائد الإسرائيلي الثاني الذي يقوم بزيارة تاريخية لأفريقيا بعد تلك التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين للمغرب للقاء الملك المغربي الراحل الحسن الثاني عام 1993.
وعلينا أن ننظر إلى خارطة الدول التي ذهب إليها نتنياهو محملا بـ 80 رجلاً من أبرز رجال الأعمال في إسرائيل ، يحملون معهم قائمة بمجموعة من المشاريع الاقتصادية والتنموية والوعود المغرية ، حتى نعرف من معنا ومن ضدنا ؟ ، لا سيما أن من بين الدول التي زارها نتنياهو " إثيوبيا" ، والتي تربطنا معها مسألة حياة أو موت ، وهي قضية سد النهضة ، وعلينا أن نجيب على السؤال الأهم ماذا تريد إسرائيل من دول حوض النيل في ذلك التوقيت ؟ ومدى استعداد هذه الدول للتجاوب معها ؟. وقبل أن نجيب على هذه الأسئلة ، علينا أن نعترف أن مصر تدفع الآن ضريبة أخطاء وقع فيها من رأي رؤساء مصر السابقين ،
فقد أخطأ الرئيس الراحل عبدالناصر ، عندما أهدي مقر الاتحاد الأفريقي (منظمة الوحدة الأفريقية سابقاً) ليقام في أديس آبابا رغم إصرار كل القادة الأفارقة على إقامته في مصر ، الأمر الذي جعل من إثيوبيا، قبلة الزيارات الدولية بحجة زيارة مقر الاتحاد الأفريقي.
وأخطأ السادات حين وقع كامب ديفيد في صلح منفرد مع إسرائيل غير مشروط بإقامة علاقات
طبيعية بعد حل القضية الفلسطينية وإقامة دول فلسطين، والنتيجة أن 31 دولة أفريقية كانت تقاطع إسرائيل حتى عام 1978 وقت توقيع كامب ديفيد قررت إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أسوة بعلاقات مصر مع إسرائيل .وأخطأ الرئيس الأسبق حسني مبارك ، حينما أهمل وتجاهل أفريقيا خلال ثلاثة عقود ، وها هي مصر الآن تدفع ثمن غيابها عن القارة الأفريقية ، ويحل محلها أخطر دول المنطقة " إسرائيل ".
لاشك أن إسرائيل تدرك تعي جيداً طبيعة الأوضاع التي تشهدها القارة ، وتدرك جيداً مدى حاجة دولها إلى سند وظهير قوي ، وتدرك تماماً مدى الأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية ، لذا سعت خلال سنوات القطيعة على العمل بصمت ، ونجحت في أن تتوغل في جنوب القارة وغربها من خلال الشركات الاستثمارية .
المتابع جيداً لما أسفرت عنه هذه الجولة ، يدرك جيداً أن إسرائيل نجحت في تحقيق الأهداف الخفية وراء تلك الزيارة ،ألا أن الهدف الرئيسي من تلك الزيارة هو ضمان حصول إسرائيل على جزء من مياه النيل مستقبلاً، عقب تنفيذ سلسلة من المشروعات المائية على منابع النيل، فهي تؤمن تماماً بفكرة " بنك الماء " ، وتسعى إلى تنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع ، كما إنها تهدف إلى إرسال رسالة قوية إلى مصر والسودان ، إننا حاضرين بقوة في أفريقيا.