بقلم: أحمد عبدالله
إن أردنا وضع تعريف إجرائي لـ"اللامعقول" الذي يصيبك بأقصي درجات الحيرة، فلن نجد أفضل من النظر في أحوال مصر والمصريين الآن، فالشعب الذي يتعرض لأقسي أنواع المشكلات والأزمات، لايزال قادرا علي النهوض صباحا من نومه، ومواصله أعماله، والحديث عن آلامه، وكأن شيئا عادي يحدث.
الشعب بمختلف فئاته يعيش أزمة اقتصادية طاحنة، ترجع في رأي المتواضع إلي العام 2000، فالمعاناه ليست وليدة الثورات كما يشاع، وإنما شعر الناس بموجات الغلاء والأزمات المعيشية منذ مرض مبارك، وترك المجال أمام الحرس الجديد في الحزب الوطني ممثلا في نجله جمال مبارك ومن معه، ليزيد عدد محدودي الدخل، وتهبط الطبقة الوسطي إلي نظيرتها الفقيرة.
ورغم ذلك فإن جرعات "العذاب اليومي" زادت بشكل لاينكره أحد عقب ثورتي يناير ويونيو، حيث بلغت معدلات التضخم مداها، وأشتعلت الأسعار، وبات الشعب يغفو ليصحي علي خبر زيادة جديدة أصابت سعر مستقر لسلعة أو مادة يعتمد عليها الناس بشكل رئيسي.
زادت الأمراض والأوبئة، فحالات تسمم جماعي ضربت طلاب المدارس، وقبلها فيروسات عالمية خطيرة وجدت البيئة الخصبة في مصر، كأنفلونزا الطيور والخنازير، ناهيك عن الأرقام المفزعة لنسبة المصابين بالسرطانات المختلفة والفشل الكلوي، بالإضافة للحوادث بمختلف أنواعها وأشكالها، بداية من تصادم القطارات بأطفال المدارس، مرورا بنزيف يومي بل لحظي علي الأسفلت نتيجة أنهيار البنية التحتية.
التعليم حدث ولا حرج، فمصر تكاد تكون"خارج الزمن" حرفيا بالنسبة لمناهج وجودة التعليم في الكثير من بلدان العالم، متوسطة التقدم وليست المتقدمة كليا، وهكذا الحال بالنسبة للمستشفيات، ومدرجات الجامعات وأقسام الشرطة، وبيئة العمل في أي مكان، وأنتشار القمامة الذي تطلب أن تكون أحد الأعمدة الرئيسية لكافة مرشحي الرئاسة بعد الثورة، هل تستطيع أن تتخيل ذلك، في العام 2017 وبينما تصنع حولنا البلاد "معجزات" حقيقية، نضع اليوم "القمامة" تحدي صعب أمام دولة مركزية عمرها 7000 سنة، وأصدمك بالقول، أننا عاجزين حتي اللحظة عن إيجاد حل لإنتشارها وتسيدها بدلا عن الجمال والنظافة في أكثر شوارع القاهرة شهرة.
وبالنظر إلي السياسة العامة في البلاد، فلن تجد أحزاب أو حركات شبابية أو تيارات جامعية، وباقي مؤسسات الدولة لا أظن أنها ستحوز علي إعجاب ورضي الشعب المصري، فالناس بالفعل "فقدت الثقة تماما" في الكثير من المؤسسات حولها، وعند الحديث عن الخاسر الأكبر سنجد "الإعلام"، الذي يجتهد القائمين عليه في السير عكس مايريده الناس، وتجميل صورة أبعد ماتكون عن الواقع.
ورغم أن تلك السطور التي لو زادت لمليون ضعف لن تكفي لتعرية "1%" مما هو حادث واقعيا، إلا أن الشعب الذي يضرب أغرب الأمثلة في استكمال واستئناف حياته اليومية، لايزال يعافر ليستيقظ من نومه، ويمر بأحد أسوأ التجارب في تاريخه "مواصلات سيئة في زحام شديد"، ليذهب إلي عمله الذي لايسد احتياجاته لنصف شهر، ليعود ويجلس أمام التلفاز، ليهضم وجبة إعلامية أو فنية، يتحسر معها علي زمن "الفن الجميل"، أو زمن "الشعب الجميل".