بقلم : محمود حساني
ابتلى المجتمع المصري خلال العقود الأخيرة ، بالعديد من الأمراض الخطيرة ، والتي استشرت في داخله وشكلّت " خلايا سرطانية "، بعد أن وجدت المناخ الملائم لها خلال السنوات الخمس الأخيرة ، نتيجة للإضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد، وما صاحبها من إنفلات إخلاقي وتدهور في الأوضاع الاقتصادية .
ولعل أبرز هذه الأمراض الكارثية التي تُهدد مجتمعنا خلال الوقت الراهن، هي ظاهرة "أطفال الشوارع"، وهي ظاهرة ليست وليدة الوقت الراهن، وإنما تعود إلى النصف الثاني من القرن العشرين، ويُعاني منها الدول المتقدمة والنامية على حد سواء ، وتعجز الدولة ومؤسساتها عن إيجاد حلول لها .
أي مرض في المجتمع ، لابد أن تكون له أسباب، حتى نقف على طريقة علاجه، وأسباب هذا المرض " أطفال الشوارع "، ظاهرة أمام أعيننا، ولكن للإسف يحاول البعض أن يغض البصر عنها ، تحت مبررات واهية ، كالإنشغال في أزمات أخرى ومعارج جانبية ، على الرغم أن لهذه الظاهرة أضرارًا كارثية بكل ماتحمله الكلمة من معنى. فنحن أمام "قنابل موقوتة" ، إذا لم نواجهها وهي في المهد، ستنفجّر بلاشك أمامنا في أي وقت، وقد بات قريباً جداً في اعتقادي .
ولعل هذه المشكلة ، ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، فمشكلة أطفال الشوارع بالتأكيد ، هي نتاج إهمال مجتمع ظالم ، غابت عنه أبسط معايير العدالة الاجتماعية ، لذا فهم يدفعون ثمن ذنوب لم يقترفوها ، وإنما اقترفها غيرهم ، لذا نحن مدينون لهؤلاء الأطفال بالاعتذار ، ولا يمكن أن يقبلوا اعتذارنا دون أن نهتم بهم جيداً، حتى يعفوا ويصفحوا عن الجُرم الذي ارتكبه البعض منا، من خلال الإهمال والتقصير في مواجهة هذا المرض قبل استفحاله .
أمام إهمال المجتمع لهم ، خرّج علينا منذ سنوات ، أحد الصحافيين في الصحف الخاصة ، خلال مقال له في جريدة شهيرة ، يحمل لنا حلاً سحرياً لهذا المرض ، تخيلوا هذا الحل السحري ، الذي سمحت هذه الجريدة لنفسها أن تُعلنه على قرائها دون إي إحساس بالمسؤولية ، وهو " التجربة البرازيلية في التعامل معها " ، والمتمثلة في إعدام هؤلاء الأطفال ، وكأن جميع الحلول والأفكار والمقترحات غابت عنا ، ولم نجد سوى القتل لهؤلاء الأطفال .
يا سادة علينا أن ننظر إلى تجربة الدول المتقدمة ، في التعامل مع هذا المرض ، وهي تبني مشروع قومي لهؤلاء الأطفال ، يقوم على إعداد قاعدة بيانات عنهم ، ويتضمن عدة معايير ، أهمها إعادة دمجهم في المجتمع وتأهيلهم نفسياً وبدنياً وصحياً ، حتى يصبحوا جزء من هذا المجتمع ، لهم ما لباقي أفراد المجتمع من حقوق ، وعليهم ما على الباقي من واجبات .
وحتى يخرج علينا مسؤول بمشروع قومي لمواجهة هذا المرض ، فهناك حلول عاجلة ، متمثلة ، في التعاون مع الجهات المعنية والتكاتف مع منظمات المجتمع المدني ، لإنشاء مؤسسات لرعاية هؤلاء الأطفال ، على أن يتوافر فيها الجو الملائم والمناسب لهم ، حتى لا ندفهم إلى الهروب منها كما هرّبوا من قبل من أسرهم ، يا سادة ، بعض الدول أعدت مشروع للكشف عن قدرات هؤلاء الأطفال ومواهبهم ، حتى أصبحوا هؤلاء وزراء ومسؤولين في بلادهم ، يا سادة هؤلاء ثروة بشرية إذ أحسنا استغلاله .