بقلم : محمود حساني
ظاهرة التطرف الذي ابتلت به مصرنا الغالية منذ عزل جماعة "الإخوان" المحظورة عن حكم البلاد ، في اعتقادي ليس وليد الوقت الراهن ، كما يتصور البعض ، وإنما يعود إلى العقود الثلاثة الماضية ، حيث تربى وترعرع وأخذ في النمو ، إلى أن جاءت اللحظة التي خرج فيها بعد أن اكتمل نموه طوال الثلاثين سنة الماضية ، وهي فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
يُخطئ من يعتقد أن التطرف ، خرج علينا بين عشيةً وضحاها ، في ظل وجود الظروف والأسباب التي ساعدته على النمو ، والتي تُعرف في العلوم السياسية بمصطلح " البيئة الحاضنة ".
لم أُصب بالدهشة كغيري ، عندما توقفوا أمام الأسماء التي أعلنتها الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية ، وجاءت جميعها ، من محافظة واحدة في أقصى صعيد مصر، وهي محافظة قنا ، حيث الفقر والجهل وغياب التنمية وانعدام فرص العمل ، كل ذلك ساعد على توفير البيئة اللازمة لخلق عناصر متطرفة ، ضف إلى ذلك أن الصعيد يُعد مركزاً لتواجد قيادات وعناصر الجماعات الإسلامية التي تتخذ من الجبال مخبأً لها تُمارس فيه أنشطتها ، وتستقطب عناصرها الجديدة ، وتُدربها على حمل السلاح ، كل ذلك بعيداً عن أعين الأمن .
هي جماعات صاحبة تاريخ دموي عنيف مع الدولة المصرية خلال فترة التسعينيات ، بلغت ذروة أعمالها المتطرفة ، باستهداف مديرية أمن أسيوط ، التي راح ضحيتها العشرات من رجال الشرطة .
إذن علينا أن ندرك تماماً ونحن في الحرب التي نخوضها في مواجهة التطرف ، أن المواجهة ليست أمنية كما يتصور البعض ، بل هي مواجهة شاملة ، أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية ، فالمواجهة الأمنية وحدها ، لن تقضي على التطرف ، بقدر ما ستساعد على انتشاره ونموه واستقطاب عناصر جديدة .
لذا علينا أن ندرك تماماً ، دور التنمية في مواجهة التطرف ، فحان الوقت أن نلقي نظرة نحو صعيد مصر وأهله ، الذي غاب عن نظر جميع الحكومات المتعاقبة ، خلال العقود الثلاثة الماضية ، وأصبح تركيزها منصبًا على محافظات الوجه البحري ، لذا لابد من تنمية حقيقية ، في صعيد مصر ، يشعر معها المواطن الصعيدي ، أنه ليس مواطن درجة ثانية أو مهمش ، محروم من أبسط حقوقه ، وهي الحق في الحصول على خدمة صحية جيدة ، والحق في الحصول على فرصة عمل مناسبة ، فبدون القضاء على أسباب تواجد التطرف ، لن نتمكن من مواجهته ، وستذهب محاولاتنا هباءً.
فالتطرف لم يعد كما كان في الماضي ، يتم استقطاب العناصر الجديدة ، من خلال السيطرة على عقول الشباب ، وإجراء عمليات غسيل مخ ، واستغلال جهله وفقره ، وهي أمور بطبيعتها كانت تستغرق شهور ، حتى تنجح الجماعة الإسلامية ، في استقطاب عنصر جديد ، وإنما أصبح الأمر في انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ، لا يستغرق سوى دقائق ، لاستقطاب عنصر جديد .