بقلم- محمود حساني
مراقبة الآخرين.. من أسوء أنواع العادات التي ابتلت بها مجتماعاتنا العربية في ظل الانتشار الواسع لوسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي، فهناك من يقضي الساعات أمام شاشات الكمبيوتر، لا يفعل شيئًا ولا يكتسب معلومة جديدة ولا حتى صديقًا جديد يُضاف إلى قائمة أصدقائه، سوى أن يتصفح صفحات الآخرين من الأصدقاء والزملاء وخلافه، لا ليطمئن عليهم، بقدر ما يدفعه فضوله إلى معرفة إلى أين وصلوا ؟ وماذا طرأ على حياتهم ؟، بل أن البعض للأسف الشديد، أصبح يتلذذ ويستمتع بالمصائب التي يتعرضون لها، ويصيبهم الألم والحسرة مع كل تقدم يحققونه، ويقضي ساعات الليل ليقارن نفسه بهم، ويتسأل كيف وصلوا إلى ذالك؟ في الوقت الذي جمعتنا مدرسة وجامعة واحدة وتخرجنا منها سويًا.
بالتأكيد عزيزي القارئ، هناك فرق، بين من يقضي ساعات يومه على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يكتسب شيئًا، وبين من يقضي ساعات يومه وهو يبحث عما هو جديد في مجاله، ويكتسب خبرة ومعلومة جديدة، غير شاغلًا باله بمراقبة الآخريين والتلذذ بأخبارهم والتحسر على نجاحاتهم.
فلا مراقبة الآخرين ستفدينا، ولا معرفة أخبارهم ستهمنا، إذا وضعنا أمام أعيننا، هدفنا الذي نسعى إلى تحقيقه، فالكل منا قدرات وإمكانيات، مهما حاول البعض أن يقلل منها، أنت فقط من يحسن استغلالها وأنت وحدك فقط مسؤول عن إهدارها. توقفت أمام دراسة تضمنتها أحد الأبحاث العلمية الصادرة حديثًا من أحدى الجامعات الأميركية حول " مقارنة أنفسنا بالآخرين "، أثبتت أن من نعتقد أنهم يعيشون حياة سعيدة خالية من المشاكل والعقبات، يعيشون في الواقع حياة حزينة لا تخلوا من العقبات والمصاعب، فالجميع يُعاني من تقلبات الحياة، وهي سنة من سنن الحياة كما جاء في القرآن الكريم " وتلك الأيام نداولها بين الناس "، فلا سعادة دائمة ولا حزن مستمر، غير أن الفرق بيننا هو " التحدي والإصرار "، فهناك من يتحدى الظروف والصعاب، وهناك من يصر على أن يبقى على ما هو عليه، ويستمر في مراقبة الآخرين، وما يحققونه من نجاح وتقدم.
فمراقبة الآخرين، بقدر ما هي إضاعة واستنزاف لأغلى كنز نملكه في هذه الحياة السريعة " الوقت "، بقدر ما تصيبنا بالإحباط والتعاسة، وقد تصل – لا قدر الله- في حال الاستمرار إلى أن نتعرض لأمراض جسدية.
فإذا كنت عزيزي القارئ، في بداية حياتك العملية فمن غير المنطقي أن تقارن نفسك بزميل له خبرة سبقتك بأعوام، لأنك في هذه الحالة تتجاهل أنه هو أيضا بدأ من الصفر في يوم من الأيام.
وصدق الشاعر سلم الخاسر في أحد بيوت الشعر التي نثرها : من راقب الناس مات همًا وفـــــــــاز باللـــذة الجســـور"، ويقول مصطفى محمود: "لو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه ولرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية ولما شعر بحسد ولا بحقد ولا بزهو ولا بغرور"، فعلينا ألا ننشغل بمراقبة الآخرين، ونتركهم لحال سبيلهم، وننشغل بأنفسنا وبمستقبلنا، فمازال أمامنا الكثير..