توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طه في شوارع مصر المنسية

  مصر اليوم -

طه في شوارع مصر المنسية

محمد بربر

رأيته هادئ الملامح، يقظ الذهن، يبتسم فى وجهك حين يراك فلا تملك الا أن تبادله الضحكة.  يجلس على صفيحة معدنية يخالها العابرون من النظرة الأولى صندوق أحلام لا يتسع إلا لنصف حلم مخضب, مطأطئاً رأسه إلى الأسفل، هكذا اعتاد دائماً, وهكذا حال ماسحي الأحذية المدللة,

لا شموخ للذين يتعاملون مع الأحذية العابرة، صفعة الزمن التي تلقاه على خد ضميره الأيمن كانت كفيلة بجعله لا يخجل من أنه يعمل ماسحاً للأحذية, حذاؤه لا يسترعي اهتمام أحد، لذلك لا يحسده عليه العابرون.

كان  ينادى - والحماس يملؤه -  بكلمات من نوعية " تلمع ياباشا ", المهنة الشاقة تلزمه أن يجعل من زبونه "البرنس العظيم" حتى يستسلم راغبا فى مزيد من الأبهة بين رفاقه وسرعان ما يقدم له قدميه ليبدأ طه فى ممارسة عمله, إنه ماسح الاحذية الذى يمنحك صورة أولاد الأكابر نظير جنيه مصرى واحد وصفه طه بالجنيه الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع.

جمعنى لقاء رائع مع الشاب المصرى على مقهى معروف فى ميدان رمسيس وبصدفة جميلة باغتنى صوته المنخفض قائلا "تمسح يا بيه" .. لا يبدو على شاب مثلى كرامات البهوية التى ألغيت منذ زمن بعيد ولا أحب ارتداء الملابس الرسمية أو البدل الإفرنجية إلا فى المناسبات والأعياد القومية، كنت أفكر فى مستقبل مصر وأحاول رسم ملامحها الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية.

القدر دائما يسيطر على أرواحنا، القدر أتانى "بطه" هدية من السماء, ضحكت كثيرا من طلبه الكريم بعد أن منحنى لقب البيه، ووافقته فجلس على كرسى صغير وأمامه الصندوق الخشبى وبعض دهانات الأحذية المختلفة.

أخذ يعمل فى صمت حتى سألته عن بلدته ولماذا يعمل كماسح للأحذية وهو شاب قوى يستطيع أن يعمل فى مهن أخرى أكثر ربحا وراحة كانت أسئلتي بمثابة القنبلة التي انفجرت وأفرزت إجابات شاب مصرى حالم تمنعه المحسوبية من التعيين فى الجامعة ويفشل فى البحث عن فرصة عمل ثم يقرر أن ينجح. رمقنى بنظرات الثار وهو يبدل جلسته ويحكى عن بلدته الكائنة فى إحدى محافظات الوجه القبلى والشهيرة بصراعات الثار التي لا تنتهى إلا بعد إزهاق الأرواح وانتقام الدماء, لمست فى حديثه عقلية تختلف كثيرا عن شباب جيله.

تخرج طه فى كلية الحقوق ويصر هو على تسميتها كلية الوزراء تعظيما لدورها فى تخريج الوزراء والقضاة ومشاهير المجتمع فى السياسة والقانون غير أن طه لم يحالفه الحظ مثل زملائه من خريجى الكلية ذاتها، ولما يأس فى البحث عن فرصة عمل فى الحكومة أو القضاء شعر بغربة داخل بلد, وطه هو الثاني على دفعته والأولى فتاة تعمل اليوم معيدة بالكلية قابلها فى بداية العام وتذكر أيامه فى الكلية واجتهاده الذى ضاع وسهر الليالى وأكواب الشاى والقهوة ومراجع القانون وحفظه للكتب من الألف للياء, نسى كل هذا وفوقه شهادة التخرج وتقديره المتميز وترتيبه على الدفعة وقرر أن يعمل ويتحدى اليأس والفقر وفى كليهما شر.

عمل طه فى العديد من المهن فكان سائقا لميكروباص ثم خبازا ونجارا الى أن استقر فى مهنته التى أحبها ولم يتركها مثل سابقيها وهى مسح الأحذية , ولم يشعر يوما بالتعب والجهد بل تجاهل طه نظرات المجتمع المريض لماسح الأحذية ولم يتردد فى أن يشترى دهانات وصبغات للأحذية وينزل ليبدأ مبكرا البحث عن زبائن جدد.

 

"المهنة لم تعد كسالف عهده بها فالناس فى مصر المنسية لم تعد تمتلك قوت يومها فكيف يهتمون بمظهرهم ويمسحون أحذيتهم وبطون أطفالهم أولى بأموالهم" قالها طه وهو يمارس عمله باهتمام شديد, الشاب المصري الذي أراد لنفسه أن يعمل حتى لو احتقره الآخرون يرى أن البطالة مرض قاتل لا بد أن نواجهه ونحاربه ويرفع دائما شعاره "اسع يا عبد وأنا سعى معاك"

ماسح الأحذية أو دارس القانون ينتقد الأحزاب المصرية ويصفها بالأحذية البالية، "أحزاب إيه يا أستاذ، احنا هنضحك على بعض، دي كلها أشكال وصورة، رئيس الحزب الفلاني تلاقيه بينتقد ويشتم الحكومة الصبح وبيتعشى عندها بليل .. فين المصداقية فى البلد ", طرح طه سؤالا صعبا أراه محقا فيه ... كيف لرئيس حزب أو رئيس تحرير صحيفة معارضة أن ينتقد أداء الحكومة وهو الضيف الدائم على موائدها .. ولماذا تختاره الحكومة وإعلامها دون غيره من أصحاب الرأى والفكر الراقى لكى ينتقدها.

يضحك طه ساخرا وهو يتحدث عن أحلامه "طبعا .. أنا عندى أحلامى . نفسى أتجوز وأعيش مستور وأعمل مشروع وربنا يتوب عليا من شغلانة الشقا دى"  وصديقى الأستاذ طه لا يعرف طعم الراحة فعمله يمتد طوال الأسبوع ويبدأ فى الساعة السابعة صباحا ويعود إلى منزله فى الثانية صباح اليوم التالي ويحاول ألا يضيع الوقت منه لأن هذا الزمن لا يرحم الفقير كما يقول. تأخر الوقت وعلي أن أسابق ساعتي حتى أصل إلى عملي فى وقته، تمنيت أن يطول الكلام بيننا. شكرت له حكايته المنسية وبدون أن أسأله طلب الراحل أحمد زكي "اضحك علشان الصورة تطلع حلوة"، تناولت الكاميرا وكلى عزيمة فى أن أنقل حكاية طه لأهل مصر المنسية, وكانت الصورة فعلا حلوة لاسيما وطه يضحك فيها وبين عينيه ألف آه.

GMT 21:23 2019 السبت ,08 حزيران / يونيو

الثانوية الكابوسية.. الموت قلقا

GMT 19:57 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

نهوض سوريا تهديد لإسرائيل

GMT 19:55 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

تسارع استعادة السيطرة السورية على شرق الفرات ؟

GMT 19:52 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

سورية والعائدون إليها

GMT 19:50 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

لبنان عكس الطائف بين ثلاثة مفاهيم خطيرة... وتشوّهين

GMT 22:32 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

الحوثيين... ذلك الإعصار المدمر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طه في شوارع مصر المنسية طه في شوارع مصر المنسية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon