ضريح شاذلى

أيام قليلة ويتوافد الآلاف من المنتمين للطرق الصوفية، من كل بقاع الأرض، على وادي حميثرا في الجنوب الشرقي لمحافظة البحر الأحمر؛ حيث يصل زائري الإمام أبي الحسن علي الشاذلي إلى الضريح لإحياء ذكراه.

كما يأتي المداحون من جميع أنحاء الجمهورية؛ وعلى رأسهما ياسين التهامي وأمين الدشناوي وغيرهما، بجانب أصوات الدراويش ومحبي الشيخ الشاذلي من الأطفال والرجال.

وبالنسبة لطقوس الاحتفال لزوار الشاذلي، يبدأ الموجودون بالطواف حول المقام ثم الابتهال بالأدعية وقراءة القرآن الكريم ويبدأ جماعة من الدراويش بإنشاد النشيد الموحد للجميع "شاذلي يا أبو الحسن"، والطواف مرة أخرى ثم تقام حلقة ذكر بجوار المقام وفي جميع الساحات يحمل جميع الموجودين بالساحة الرفاعية السيوف والعصي للرقص بطريقة الحجل، ويتنافس الشيوخ والشباب والأطفال لإظهار المهارات والقدرة على الصبر والتحمل.

كما تشارك النساء أيضًا في الاحتفال بوضع حناء في طبق فوق رأس واحدة منهن وتذهب به نحو المقام ومعها إحدى العرائس والتي تشبه زفة ليلة الوفاف وتغني النساء طارقات الدف والطبول، ويلتف حولهم بعض الأطفال لمتابعة الزفة بالفرحة والبهجة ويتعالى التصفيق والرقص والغناء، وتخرج الزفة من الساحة للطواف حول المقام وتنحر الذبائح على الأعتاب؛ حيث تستمر الاحتفالات بالموسم 10 أيام متتالية وتنتهي مع تكبيرة صلاة عيد الأضحى المبارك مع طقوس شعبية يغلب عليها الطابع الديني والذي أعتاد عليه المصريون في موالد أوليائهم كل عام.

ويعد ضريح الإمام أبي الحسن علي الشاذلي أحد المساجد التي أنشئت في عصر الدولة الأيوبية في مصر، ويقع في محافظة البحر الأحمر؛ حيث يتكون الضريح القديم من مبنى مثمن الشكل بكل ضلع من أضلاعه السبعة نافذة واحدة مستطيلة والثانية على شكل قماري، أي فتحتان معقودتان تعلوهما دائرة أو معين، وهكذا بالتناوب، أما الضلع الثامن فيوجد به مدخل الضريح.

ويتوسط الضريح 8 أعمدة تقوم فوقها رقبة مرتفعة تعلوها قبة مدببة، وقد غطي الجزء المحصور بين القبة والمثمن الخارجي سقف مسطح كما زخرف أعلى جدران المثمن بشرافات مسننة.

وفي جنوب الضريح أقامت وزارة الأوقاف حاليًا مسجد ووصلت بينه وبين مدخل الضريح بممر مسقوف.

وزودت المسجد بميضأة ودورة للمياه، كما أقامت في الجهة الجنوبية والغربية من المسجد مدرسة لتحفيظ القرآن وسكنًا لشيخ المسجد والقائم بالتدريس في المدرسة.

وولد الإمام "أبوالحسن علي الشاذلي"، الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه، العام 1169م/ 593هـ، في إقليم غمارة بالقرب من مدينة سبته في المغرب، وهو من أشهر من وفد إلى مصر من صوفية المغرب العربي في القرن السابع، وقد وفد إليها مع مجموعة من تلاميذه واستوطنوا مدينة الإسكندرية، وكان ذلك العام 124/ 642 هـ، وكونوا مدرسة صوفية مشهورة، وقد لقب بالشاذلي نسبة إلى قرية شاذلية التي بدأ فيها بالوعظ والتعليم، ومن أشهر تلامذة سيدي أبوالعباس المرسي، وسيدي ابن عطاالله السكندري.

وفي طريقه إلى الحج مع مرافقيه توفي ودفن في وادي حميثرة في البحر الأحمر، حسبما أوصى تلاميذه وأصبح ضريحه مزارًا لمحبي الصوفية والباحثين عن الهدوء والتأمل.

ويوجد حول الضريح العديد من الساحات؛ ومن أشهر تلك الساحات ساحة الحجة زكية والساحة الأحمدية وساحة الأشراف وساحة السادة الرفاعية والمرغنية وأولاد الشيخ عبدالسلام والسلمانية والبرهامية الشاذلية.

ويرجع الفضل في وجود تلك الساحات إلى الشيخة زكية عبدالمطلب وهي من زوار الشاذلي؛ حيث تجد أشخاص يقدمون خدمات للموجودين دون طلب، وما يثير الدهشة أنَّ منهم القاضي ورجال الجيش والشرطة، ومنهم الطبيب والمهندس أو دكتور الجامعة وأعضاء مجلس الشعب والشورى، حبًا وتقربًا للشاذلي.

يذكر أنَّ محافظة البحر الأحمر في تلك الأيام ترفع حالة الطوارئ القصوى في مدينة مرسى علم؛ لتأمين الاحتفالات الجارية في مولد الشيخ أبو الحسن الشاذلي في وادي حميثرة، ويتم تشكيل غرفة عمليات لمتابعة الاحتفالات وتوفير جميع الخدمات اللازمة للزوار من مياه ورعاية طبية وخدمات مختلفة.

بينما تعلن مديرية أمن البحر الأحمر قبل الاحتفال حالة من الاستنفار بين قوات الأمن والحماية المدنية لتأمين الاحتفالات ونشر فرق مرورية لتأمين حركة الطرق من وإلى مكان الاحتفالات، التي تنتهي مع تكبيرات صلاة عيد الأضحى المبارك ووسط طقوس شعبية يغلب عليها الطابع الديني والفلكلوري، الذي اعتاد عليه المصريون في احتفالهم بموالد أوليائهم وقديسيهم.