تجدد رحلة المواطنين للبحث عن أسطوانة الغاز

بصفة يومية، تتجدد رحلة المواطنين المصريين للبحث عن أسطوانة الغاز، التي إما يجدون الطريق إليها مزدحمًا عبر طوابير تتسم في غالبها بالتدافُع بمستودعات الغاز المركزية، أو تجد هي طريقها إليهم عبر وسيط يُحمّل سعرها هامشًا متفاوتًا من الربح، كسر مؤخرًا حاجز العشرة جنيهات فأكثر، نظير الوساطة والتوصيل، يُضاف إلى سعرها الرسمي، الذي قفز بدوره بقرار حكومي من خمسة عشر جنيهًا، إلى ثلاثين جنيهًا قبل أيام، مرشحًا حمل المواطن المُعتمد على أسطوانات الغاز للتزايُد، فضلاً عن بوادر أزمة نقص أسطوانات الغاز فى بعض المناطق، على خلفية قرار رفع الدعم عن أسطوانة الغاز مؤخرًا.

لا يعرف أهالي قرية المنصورية التابعة لمنشأة القناطر، على وجه التحديد السبب الذى أغلق مستودع القرية، ليتحتم عليهم الاعتماد على مستودع قرية أوسيم، أو مستودع أنابيب مركزي يطل على الطريق الصحراوي، بيد أن الاعتقاد الغالب لغلق المستودع كونه غير مطابق للمواصفات القياسية.

أم محمد، ربة منزل تضطلع بكافة شؤون منزلها، غير أن مهمة نقل وتغيير الأنبوبة بالضرورة ليست من بينها، إذ تشتمل على مشقة بالغة ورحلة طويلة قد تقطع قسما كبيرا من نهارها. تصل الأنبوبة لباب دار أم محمد، وفى المقابل، تتكبد مصاريف نقل غير رسمية تحرك سعر الأنبوبة بنحو عشرة جنيهات علاوة على السعر الرسمي.

قبل يومين سمعت أم محمد أخبارا عن زيادة سعر الأنبوبة، غير أنها لم تدرك حجم الزيادة حين فرغ مخزونها أخيرا، تقول أم محمد "اكتشفت أن الأنبوبة وصلت لأربعين وخمسة وأربعين جنيه لأن اللى بيوزعها بيوزعها بالغالي"، بهذه الزيادة، تقدر ميزانية الأنابيب لدارها بنحو تسعين جنيها شهريا؛ إذ تستهلك أنبوبتين على أقل تقدير، وعلى ذلك فإنها ليست متأكدة بشأن وفر وأمان خطوط الغاز الطبيعى ومدى إمكانية توصيله، وبينما تتوجس أم محمد بشأن مد الغاز، تزجرها إحدى جاراتها: "متضايقة من أنهم يوصلوا الغاز هنا، الغاز أرخص وأنضف طبعا".

يشتهر مطعم ناصر محمد بين الجيران بكونه مازال يقدم لزبائنه قرص طعمية بخمسة وعشرين قرشا، ولأجل الحفاظ على ذات قائمة الأسعار، يعتمد ناصر حزمة إجراءات توفيرية، من بينها الاستغناء عن العمالة والاعتماد على شخصه فى كافة مهام المطعم، فيما اعتاد شراء أنابيب الغاز المنزلية، محاولا الاستفادة من نسبة الدعم الذي يحظى به مشتروها، حتى قبل يومين، ظل الإجراء الأخير إجراء موفرا، بيد أنه بمضاعفة سعر الأنبوبة برفع الدعم عنها، أصبح مشكوكا في جدوى هذه الحيلة، وفي عدد من القرى قال عدد من الأهالى بصوت يملؤه البؤس: "شكلنا هنرجع للكانون".

يستهلك ناصر نحو اثنتى عشرة أنبوبة منزلية شهريا لتغذية مطعمه بالغاز اللازم لطهو طعام الإفطار لأهل القرية، هذا الصباح، نفدت أنبوبته، فاستوقف أحد الباعة من أصحاب عربات النقل المتداولة في القرية باسم "عربات شباب الخريجين" لشراء أنبوبة، ليفاجأ بأن سعرها يتراوح بين سبعة وثلاثين وبين أربعين جنيها، برفع الدعم عنها قد يلجأ ناصر للاستغناء عن الأنبوبة المنزلية وشراء الأنبوبة الكبيرة لتفادي الاضطرار لتغيير الأنبوبة مرات عديدة على مدار الشهر، فيما يتوقع أن يرتفع سعرها بدورها فتكسر حاجز المائة جنيه، بعد أن كانت تباع بستين جنيها. من جانبه، لا ينتوي ناصر بقرية المنصورية رفع أسعار الوجبات على خلفية رفع الدعم، ويعلل قراره قائلاً "يعني هي الناس كانت بتشكك قبل الغلاء الأخير، أو بتاخد أكل على القد، أُمَّال لو غلينا هتعمل إيه".

على رصيف مقابل لمستودع أنابيب البوتاجاز في مركز إيتاي البارود في محافظة البحيرة، يقف محمود الخرادلي، موظف حكومي، وسط العشرات، ينتظر الحصول على أنبوبة، بعدما رفع التجار المتنقلون فى القرى سعرها إلى ٣٥ جنيهاً بدلاً من ٣٠، ويقول محمود إن أسرته تتكون من ٥ أفراد، ويستخدمون أنبوبة بوتاجاز أسبوعياً، معرباً عن غضبه من ارتفاع سعرها إلى ما بين ٣٠ و٣٥ جنيهاً: "يعني التجار مش مكفيهم الزيادة، وبيرفعوا السعر لـ٣٥، فباضطر أروح المستودع عشان أشترى بسعرها الأصلى اللى هو ٣٠، وباصرف ١٠ جنيهات مواصلات، يعنى واقفة عليّ بـ٤٠ جنيهاً، مش بس كدا، دا التجار بيخزنوا الأنابيب عشان يرفعوا سعرها، والناس مجبرة تشترى عشان تعرف تاكل".