كتاب " الصحافة والتمهيد للثورات" للمؤلف خالد زكي

صدر عن دار العربي للنشر والتوزيع، كتاب " الصحافة والتمهيد للثورات" للمؤلف خالد زكي المدرس المساعد بقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ولقد شارك الاصدار فى معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والأربعين.

يتضمن الكتاب ، أربعة فصولاً، الأول منها بعنوان "الإعلام وماهية الثورات" ، والذي يركز فيه المؤلف علي مفهوم الثورات، وأوجه الاختلاف بينه وبين مفاهيم أخري كالانقلاب والانتفاضة،  فقد اختلف الباحثين في مجالات العلوم السياسية والاجتماع السياسي حول تحديد مفهوم الثورة، ولكن التعريف الأكثر شمولاً هو أن الثورة حركة كلية شاملة، تهدف إلى إحداث تغير أساسي في كيان وتركيب المجتمع، ويكون هذا التغير سريعا ومفاجئا، ويتناول كافة مجالات الحياة، فهو يمتد ليشمل كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى جانب الحياة الفكرية والفنية. ومن ثم فالثورة لا تستهدف الإطاحة فقط بالنظام السياسي القائم، وإنما تهدف إلى إحداث تغيير جذري شامل في كافة مناحي الحياة، وغالبا ما تنبع الثورة من صفوف الشعب لتعبر عن آلامه وآماله وتطلعاته، وتعمل على إحداث تغييرات سياسية وجذرية في البناء الاجتماعي؛ بهدف إقامة علاقات اجتماعية جديدة، وإحداث تغييرات في تركيبة المجتمع وفلسفته وأهدافه بما يتفق مع مصالح الشعب وتطلعاته، أما الانقلاب فيحدث من قبل فئة تستهدف الاستيلاء على السلطة بالقوة، وتغيير شخص الحاكم، دون أن يكون في مخططها إحداث أي تغيير في الأوضاع والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أي أن الأمر يقتصر على مجرد تغيير حاكم بحاكم آخر دون إحداث أي تغيير حقيقي. وفى الغالب تحدث الانقلابات من خلال القوات المسلحة والعسكريين، حينما يصبحون غير راضين عن سياسات النظام القائم وتزداد فرص نجاحه إذا ما تآكلت شرعية النظام القائم.

كما يختلف تعريف الانتفاضة عن الثورة في كونها مقاومة شعبية مستمرة، بكافة الوسائل المدنية أو العنيفة أو كليهما معاً، تقوم بها جماعة إنسانية أو أفراد تعرضوا لظلم أو فساد أو منكر أو تخلف أو تبعية أو وهن وقع عليهم من قوة داخلية مستبدة، تعمل لصالح أهوائها وبقائها في السلطة؛ أو من قوة قمع خارجية استعمارية تهيمن على مصير هذه الجماعة أو هؤلاء الأفراد، فتسعى إلى سلب إرادتهم، وطمس هويتهم، واستغلال أرضهم، ونهب ثرواتهم أو النيل من مقدساتهم، أو إبادتهم واستبدالهم بجماعة أخرى؛ لكن هذه الجماعة وهؤلاء الأفراد ينجحون في التخلص منهم والتحرر بقوة إرادتهم وتضحياتهم وصبرهم.

ويكمن الفرق بين المصطلحيين في كون الانتفاضة ليست ثورة شاملة، بل هي نقطة الذروة، كما أنها لا تعتمد على قوة مسلحة، وتكون في بدايتها عفوية، بالإضافة إلى ذلك فإن الانتفاضة قد تقضى إلى تغيير السياسات والقيادة والمؤسسات السياسية دون أن تحدث تغييرا في الأبنية الاجتماعي.

ويسلط المؤلف ضمن هذا الفصل الضوء علي أسباب الثورات التي تتعدد ما بين أسباب اقتصادية تنجم عن زيادة البؤس وانتشار الفقر، وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن تأكل شرعية النظام السياسي القائم، وعدم تلبيته لاحتياجات الموطنين، ما يترتب عليه ارتفاع معدلات السخط السياسي في نفوس المواطنين، بشكل يساعد علي تهيئتهم للتضامن مع الحركات الاحتجاجية التي قد تطالب برحيل النظام.

كما يقدم هذا الفصل عرضاً لأبرز المراحل التي تمر بها الثورات في حياة الشعوب ما بين المرحلة الانتقالية الأولي التي تبدأ بتهاوي النظام السياسي القائم، وتركه السلطة السياسية، لتبدأ مرحلة المركزية وتولي المتشددون السلطة، وفيها يتم القضاء على كافة بقايا ورموز النظام السابق، لكن يفرض هؤلاء المتشددون على الشعب طاعة النظام الجديد بقيمه وقوانينه، ثم المرحلة الانتقالية الثانية التي إذا ما تمكنت القيادة السياسية فأن الثورة تتحول لتصبح نظاماً سياسياً.

ويقدم المؤلف ضمن هذا الفصل قراءة دقيقة لملامح المشهد السياسي قبل ثورة 25 يناير 2011 والتي تعددت ما بين تردي أداء النظام السياسي " نظام مبارك" وتأكل شرعيته، وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مصر، وانتشار الفساد الإداري والسياسي، وتزايد معدلات انتهاكات حقوق الإنسان، ما أدي إلي نمو حركات الاحتجاج في الشارع المصري، للمطالبة بالتغيير، وتوظيفها لشبكة الانترنت للتعبير عن أرائيها، والتسويق لأفكارها.

كما استعرض المؤلف في هذا الفصل مجموعة من المداخل النظرية التي تفسر طبيعة دور وسائل الإعلام في التمهيد للثورات، ومنها الإعلام ونموذج الشرعية السياسية، الإعلام والحرمان النسبي، الإعلام والحشد والتعبئة، الإعلام وتشكيل الوعي الثوري.

وفي الفصل الثاني من هذا الكتاب، الذي جاء تحت عنوان " الإعلام والتحول الديمقراطي" ، استعرض المؤلف مفهوم وسمات عملية التحول الديمقراطي، والتي تحددت ما بين كونه عملية طويلة معقدة، لأنها تتضمن مجموعة من القواعدوالإجراءات التي تنظم العلاقة بين الحكام والمحكومين، كما أن التحول الديمقراطي عملية لا خطية، فليس بالضرورة أن انهيار النظام السلطوي يعنى إقامة نظام ديمقراطي، وإنما قد ينقلب الأمر إلى صورة أخرى من صور النظام السلطوي؛ ومن ثم يصبح المحك الرئيسي هو توافر المقومات الرئيسية لإقامة الديمقراطية، التي تتمثل في إجراء انتخابات حرة تضمن المنافسة بين المرشحين، واحترام الحريات المدنية والسياسية للمواطنين، وكذلك ضمان حرية وسائل الإعلام واستقلاليتها. كما تعتبر عملية التحول الديمقراطي بمثابة فترة انتقالية تمر بين مرحلة تقويض دعائم نظام سياسي، وإقامة نظام سياسي لاحق.

كما تطرق هذا الفصل لأبرز الإشكاليات التي تعوق مرحلة التحول الديمقراطي في مصر والمنطقة العربية، وأبرزها افتقار الأنظمة الحاكمة للإرادة السياسية اللازمة للقيام والاستمرار في عملية التحول الديمقراطي واتسامها بالمركزية الشديدة، وكذلك إجهاضها المستمر ومحاربتها لأي إصلاحات سياسية، فضلاً عن افتقادها للمؤسسية، ونزوع تلك الأنظمة إلى السلطوية الشاملة، ورفض النقد، وعدم تقبل الرأي الآخر، وعدم وجود معارضة سياسية قوية قادرة على إحداث التغيير بأفكارها وتوجهاتها ومواقفها، وضعف منظمات المجتمع المدني، وعدم قدرتها على الإسهام الفعال في عملية التحول الديمقراطي، خاصة في ظل قمع الأنظمة الاستبدادية لها، وعدم وجود آليات واضحة لضمان الحريات المدنية والسياسية، فضلاً عن انتشار الفساد، وعدم وجود آليات واضحة لمحاربته، وارتفاع معدلات الفقر وتدنى مستويات التعليم، وانخفاض معدلات التنمية الاقتصادية، الأمر الذي يصرف المواطنين عن أي مشاركة فعالة في التحول إلى الديمقراطية.
كما ناقش هذا الفصل أبرز المتطلبات اللازمة لعملية التحول الديمقراطي، ومنها ضرورة توافر إرادة سياسية حقيقية لدي النظام السياسي القائم، واتخاذ خطوات جادة بشأن التنمية الاقتصادية والإصلاحات الاجتماعية، وتفعيل دور المجتمع المدني، وضرورة تبني الدولة للإصلاح المؤسسي في كافة هيئاتها ومؤسساتها. 

إرادة سياسية حقيقية
كما تطرق هذا الفصل لتفسير دور الإعلام في دعم التحول الديمقراطي من خلال محورين أساسيين، الأول يفسر جدلية العلاقة بين التيارات الفكرية التي اهتمت بدراسة العلاقة بين وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي، وتعددت رؤيتها ما بين تيار يري أن وسائل الإعلام هي الداعم الرئيسي لعملية التحول الديمقراطي، وأخر يري أن الإعلام لا يساند عملية التحول الديمقراطي بل يعرقلها، وثالث له نظرية معتدلة ما بين أن الإعلام يستطيع ممارسة هذا الدور إذا ما قام بمنظومة من الوظائف، وهو ما ناقشه المحور الثاني الذي ناقش فيه المؤلف مجموعة من الوظائف الجديدة المرهون بها تفعيل دور الإعلام في التحول الديمقراطي، ومنها الوظيفة السياسية والتي ناقشها المؤلف من خلال دور الإعلام في تنمية الوعي السياسي، وكذلك دوره في التنشئة السياسية، ثم الوظيفة المعرفية والتي ناقشها من خلال دور الإعلام في إخبار المواطنين وإمدادهم وتعريفهم بالقضايا والأحداث التي تقع حولهم، وكذلك تفسيرها وتحليلها، ثم الوظيفة التربوية والتعليمية، وكذلك وظائف أخري مثل توجيه المواطنين نحو الإصلاح، وممارسة الدور الرقابي والاستقصائي علي كافة مؤسسات الدولة، وإدارة الحوار الديمقراطي بين مختلف فئات المجتمع، وتحقيق التماسك بينها، والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، وكذلك دعم قيم المواطنة وحقوق الإنسان.

كما ناقش الجزء الأخير من هذا الفصل أهم العقبات التي تعوق وسائل الإعلام عن دورها في دعم الديمقراطية والتي تنوعت ما بين إشكاليات قانونية تتعلق بطبيعة القوانين المنظمة لعمل وسائل الإعلام، وكذلك إشكاليات تتعلق بعلاقة الإعلام بالسلطة السياسية، وإشكاليات أخري تتعلق ببيئة العمل والضغوط المهنية الواقعة علي الصحفيين والإعلاميين أثناء ممارستهم لدورهم، وإشكاليات تتعلق بالجمهور ذاته متلقي الرسائل الإعلامية.

ويقدم الفصل الثالث من الكتاب دراسة تطبيقية علي دور الصحافة في التمهيد لثورة 25 يناير2011، التي أوضحت أن الصحف الخاصة التي تناولتها الدراسة بالرصد والتحليل " المصري اليوم- الدستور" ، وكذلك الحزبية " العربي الناصري- الوفد" قد لعبت دوراً في التمهيد للثورة من خلال عدة أليات أهمها: تحطيم الهالة المحاطة بها صورة مبارك، وإنزاله من منزلة الفرعون الذي لا يقبل النقد إلي شخص قابل للنقد، وتحقق ذلك من خلال اقتراب الصحف الخاصة والحزبية من الملفات المسكوت عنها مثل التوريث، وإلصاق العديد من الصفات السلبية بشخص مبارك وتصويره على إنه فاسد وديكتاتور ، والاقتراب تدريجياً من الملفات الخاصة بالرئيس وأسرته العائلية، ثم التشكيك في نزاهته المالية، والتطرق إلى حالته الصحية، والتأكيد على أن صحته أصبحت لا تحتمل قدرته على الاستمرار في حكم مصر، وفي هذا الصدد استغل الخطاب الصحفي هذا للتأكيد على أنه أصبح مغيبا عن الدولة، والتأكيد على أن نجله جمال وحاشيته هم الذين يحكمون مصر، وفي هذا الإطار وظف الحطاب الصحفي تكنيك سيطرة الشلة على الحكم، وكذلك طرح بديل آخر لنظام مبارك، وعبر هذا التكنيك طرح الخطاب الصحفي مجموعة من التساؤلات في صورة سيناريوهات بديلة لمبارك حول مدي إمكانية وصول الإخوان لحكم مصر، وحول إمكانية انقلاب المؤسسة العسكرية على نظام مبارك حال رفضها لسيناريو التوريث، ثم الدعوة إلى محاكمة مبارك، والدعوة صراحة إلي سحب الشرعية منه، وقد وظف الخطاب ضمن هذا التكنيك استراتيجية الخلاص بالتأكيد على أن الثورة هي السبيل الوحيد لإسقاط نظام مبارك.

كما لعبت الصحافة دوراً في التمهيد لثورة 25 يناير عبر ألية زعزعة شرعية نظام مبارك والتي تحققت عبر عدة تكنيكيات أهمها، التشكيك في المهارات السياسية لرجال نظام مبارك، والتأكيد على أنهم ليس لديهم أي مهارات تؤهلهم لحكم مصر،  وإبراز عجز النظام والتأكيد على فشله في تلبية احتياجات المصريين مدللاً على ذلك بتعديد مساوي النظام من خلال ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وزيادة نسب العشوائيات وتراجع دور مصر الإقليمي، وغياب العدالة الاجتماعية وزيادة معدلات اللامبالاة والاغتراب لدي أفراد المجتمع .

كما إنها لعبت دوراً في الحشد والتعبئة عبر مستويين، الأول حشد وتعبئة المواطنين وحثهم على عدم التصويت في الانتخابات والاستفتاءات، باعتبارها محاولات شكلية لنظام مبارك يدعم من خلالها بقائه في الحكم، ويورث لنجله جمال الحكم من بعده، وفي هذا الإطار وظف الخطاب عدة تكنيكات تهدف إلى عملية التعبئة المضادة لأهداف النظام، الثاني: الشحن العاطفي من خلال توظيف تكنيك الإبراز والتركيز على وقائع مأساوية من شأنها أن تنمي مشاعر الكراهية لدي المصريين إزاء النظام وهو ما بدا واضحاً في التركيز على وقائع السحل والتعذيب في السجون المصرية، وكذلك التركيز على أطروحة أن النظام لا يبالي بأرواح المصريين.

كما تجلت ملامح هذا الدور من خلال ألية  الكشف والتنوير التي تم توظيفها في سياق خطابات الصحف الخاصة والحزبية المدروسة عبر مستويين،  الأول وظفها خطاب هذه الصحف بشكل أساسي في كشف العديد من ملفات الفساد التي تدين رجال النظام الحاكم بغية التأكيد على فسادهم، وكذلك الكشف عن وقائع التعذيب داخل السجون المصرية وهو ما ساهم بحسب فرضية نظرية الحشد في علاقتها بوسائل الإعلام في تعبئة المواطنين بمشاعر الكراهية وتنمية السخط السياسي إزاء النظام الحاكم من خلال التركيز على انتهاكات حقوق الإنسان كوسيلة من ضمن الوسائل التي اعتمدت عليها الصحافة الخاصة لزعزعة شرعية النظام. كما برز الدور التنويري لخطاب هذه الصحف في تعريف الرأي العام بمفاهيم ومبادئ الديمقراطية والإصلاح السياسي، وضمن هذه الآلية طرح الخطاب الصحفي مجموعة من المفاهيم مثل الديمقراطية، تداول السلطة، إرادة الناخبين، الحرية، حرية الرأي والتعبير .

كما أن  هذه الصحف استطاعت أن تمهد لثورة 25 يناير من خلال تسويق ثقافة الاحتجاج ومساندة الحركات الاحتجاجية المطالبة برحيل نظام مبارك عبر عدة أليات من بينها: من خلال التأكيد على وطنية أعضائها وإخلاصهم وتفانيهم من أجل مصر، والتأكيد على أنهم يناضلون من أجل مصر ومصالح المواطنين، نشر المفاهيم الخاصة بالاحتجاج مثل الإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات والعصيان المدني، والمقاومة، وقد أفرد الخطاب مساحة واسعة لمناقشة هذه المفاهيم ودلالاتها.

كما كشفت هذه الدراسة التي تضمنها الفصل الثالث من الكتاب أن الصحف القومية عينة الدراسة " الأهرام – روز اليوسف" قد لعبت دوراً في التمهيد للثورة بشكل عكسي عبر استفزازها لمشاعر المواطنين بعدة تكنيكيات أبرزها، تزييف الواقع الذي يعيشه المواطن المصري، ومهاجمة خصوم النظام والتشكيك في الحركات الاحتجاجية، ووصمها بصفات العار والخيانة، بشكل ساعد علي تعريف الشارع بها، بسبب كثرة الهجوم عليها.

وأكدت الدراسة علي أن السياسة التحريرية وتحديداً فيما يتعلق بمستوي نقد الرئيس السابق مبارك داخل كل صحيفة كانت أحد عوامل اختلاف سمات وملامح الخطاب الصحفي داخل الصحف التي تنتمي لنفس نمط الملكية، وهو ما تجلي بشكل واضح في اختلاف خطاب صحيفة العربي عن الوفد، وخطاب صحيفة الدستور عن خطاب صحيفة المصري اليوم.
 
وفي الفصل الرابع من الكتاب، يستعرض المؤلف نتائج دراسة أخري أجراها بغرض استخلاص أطر المعالجة الصحفية لأزمة الشرعية السياسية في صحيفتي الحرية والعدالة، والتحرير، اللتين يمثلان تيارين متعارضين في تناولهما للأزمة، في محاولة لرصد دور هاتين الصحيفتين في التمهيد لثورة 30 يونية 2013.

وخلصت الدراسة  التي تضمنها هذا الفصل إلى أن صحيفة الحرية والعدالة قد انطلقت من موقفها الداعم لشرعية مرسى وبقاء نظامه في إبراز إطار الإجماع الهادف إلى إظهار تأييد جموع الشعب المصري لبقاء نظام مرسي، على عكس صحيفة التحرير التي انطلقت من الإطار ذاته لإبراز تأييد الشعب المصري لرحيل النظام، وبينما استخدمت صحيفة الحرية والعدالة إطار الحشد في دعوة المواطنين للنزول والمشاركة في المظاهرات الداعمة لشرعية نظام مرسى، اعتمدت صحيفة التحرير على الإطار ذاته في دعوة المصريين للمشاركة في المظاهرات المطالبة برحيل النظام. وإلى جانب أطر الإجماع والحشد تشابهت صحف الدراسة في أربعة أطر أخرى هي إطار التخوين، إطار بناء التوقعات، إطار إدانة العنف، إطار الصراع السياسي، وإن اختلفت دلالات توظيف هذه الإطار بين الصحيفتين طبقاً لموقف كليهما في الأزمة.

وطبقاً لنموذج الإعلام والشرعية السياسية الذي وظفته الدراسة كإطار تفسيري، تبين أن الصحيفتين لعبتا دوراً في التمهيد لأحداث 30 يونية، وإن اختلفت الآليات فيما بينهما، فصحيفة التحرير لعبت هذا الدور عبر التأكيد على فشل نظام مرسى في تلبية احتياجات المواطنين، والتأكيد على تآكل شعبيته في الشارع، والدعوة إلى الثورة على النظام والخلاص منه، ومساندة الحركات الاحتجاجية المطالبة برحيل النظام .. فيما تجلت محددات دور صحيفة الحرية والعدالة في تبنيها اتجاهاً مغايراً تمثل في المبالغة الشديدة بأداء نظام مرسى، بشكل حمل تناقضات بين ما تعكسه الصحيفة في خطابها، والواقع الذي يعيشه المواطن المصري من أزمات حياتية ومشكلات، وهو ما ساهم طبقاً للنموذج في تعميق الفجوة بين النظام والمواطنين.

وأوصت الدراسة التي تضمنها هذا الفصل بضرورة التزام الصحف ووسائل الإعلام على اختلاف أنماطها وتوجهاتها، بالقيم والمعايير المهنية في إدارة الأزمات حتى لا تفقد مصداقيتها، وتأسيساً على ذلك ينبغي عدم الزج بوسائل الإعلام كطرف فاعل في الأزمات والصراعات السياسية حتى لا تفقد أدوارها التنموية في المجتمع، كما تؤكد الدراسة على أهمية تطوير المداخل والأطر النظرية التي تفسر الأدوار السياسية لوسائل الإعلام أثناء إدارة الأزمات والصراعات السياسية.

وفي خاتمة الكتاب قدم المؤلف نموذجاً نظرياً مقترحاً لتفسير دور وسائل الإعلام في التمهيد للثورات، ذلك النموذج الذي يكتسب أهميته في ضوء عدم وجود نظرية محددة توضح ماهية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في التمهيد للثورات، بالإضافة إلى أن كافة الأدبيات العلمية التي تناولت علاقة الصحافة بالتمهيد للثورات قد خلت جميعها من الأطر النظرية.