القاهرة - مصر اليوم
عن الدار المصرية اللبنانية صدر كتاب "طراز التواشيح" للناقد الكبير الدكتور صلاح فضل، يقارب فيه لعيون شعر الموشحات، أحد أمتع وأجمل فنون الشعر العربي على مر العصور، محللا إياها وكاشفا عن جمالياتها وإيقاعها المتفرد.
الكتاب الجديد حمل عنوانا فرعيا "قراءة نصية حرة"، اقتبسه مؤلف الكتاب من عنوان عموده الأسبوعي الثابت بإحدى الصحف العربية، الذي كان ينشر فيه مقالاته عن الشعر العربي، والموشحات الأندلسية.
وعبر مقدمة، وثمانية عشر فصلا، يخوض فضل رحلة رائعة ومكتنـزة بالكشوفات الشعرية والتحليلات النصية البديعة، نتعرف من خلالها على إبداع أعلام الموشحات في الشعر الأندلسي، والمشرقي على قلة، بدءا من الوشاح الكبير ابن عبادة بن ماء السماء وروائعه "حب المها"، و"ظلم الحبيب"، و"يا جنة للمنى"، و"يا صاحبي"، مرورا بالوشاحين الكبار: ابن رافع رأسه، الكميت البطليوسي، الأعمى التطيلي، ابن لبون، ابن غرلة، ابن القزاز، ابن سهل، ابن الخطيب الأندلسي، ابن بقي الطليطلي، ابن سناء الملك، ابن الحسن الششتري، ابن مالك السرقسطي، ابن زهر الحفيد، أبو حيان الأندلسي، ابن شرف، ابن خاتمة الأنصاري، وختاما بالوشاح المشهور "ابن زمرك".
تأتي محاولة الدكتور فضل في كتابه الجديد، الموجه بالأساس لقراء العربية وعشاق الشعر العربي بعامة، والشعر الأندلسي بخاصة، والموشحات بصفة أخص، متلافيا الانزلاق إلى القول المفصل في المشكلات الموضوعية والتاريخية التي تواجه دارس الموشحات، مفضلا "مطارحة نماذجها وتذوق حلاوتها دفعة واحدة"، وإن لم يهمل تلك القضايا الخلافية والإشكاليات المتعلقة بها بالكلية، فقد ألمح إليها بإيجاز في مقدمة الكتاب، قائلا: "إن جل اهتمام الدارسين بها "الموشحات" كان ينصب على تاريخها من ناحية، وأسبقية أهل الأندلس على المشرق في إبداعها، ونظامها الفني والتقني في توزيع الأبيات والأغصان والأقفال، ومصطلحاتها من ناحية أخرى"، كما نبه الدكتور فضل إلى أهم تلك المشكلات.
ورغم مرور أكثر من خمسة قرون على غياب "الفردوس الأندلسي"، ظلت الأندلس في الوجدان العربي والإسلامي هي "الفردوس المفقود" يتجسد فيها الحلم التاريخي "المفقود"، وفي تصورات البعض "الموعود"، كما لم يغادر موقعه حتى الآن في الحلم الجماعي لأهل المغارب، حتى أصبح شعار "عودة الأندلس" الذي رفعه علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال المغربي تعبيرا عما تجذر في وجدان الجماعة، وتغنت به الجوقات الموسيقية وهي تتلو الموشحات بنغمة رتيبة، وفي مقدمتها هذا (الموشح/ النموذج) للسان الدين بن الخطيب الذي يقول:
وإن يكن جار وخاب الأمل/ وفؤاد الصب بالشوق يذوب
فهو للنفس حبيب أول/ ليس في الحب لمحبوب ذنوب
أمره معتمل ممتثل/ في ضلوع قد براها وقلوب
حكم اللحظ بها فاحتكما/ لم يراقب في ضفاف الأنفس
منصف المظلوم ممن ظلما/ ومجازى البر عنها والمس
ففقدان الوطن والنفي منه هو الجور الأعظم الذي يفري كبد ابن الخطيب، وهو يكنى عنه بظلم المحبوب، وخيبة أمل العاشق فيمن يذوب قلبه صبابة إليه، وهو ظلم مرحب به في عرف أهل الهوى، مغفور له، يساوي العدل عند ابن سهل: "فهو عندي عادل إن ظلما/ وعذولي نطقه كالخرس".
وعلى هذا النهج يسير المؤلف في مقارباته لنصوص الموشحات، آخذا بيد قارئها المعاصر إلى لبابها وجوهرها، ممهدا الطريق، مزيلا ما راكمته قرون بعيدة من تعقدات اللغة والثقافة والمناخ العام، ومبلورا "نموذجا" يحتذى في تقريب عيون الشعر القديم إلى القراء المعاصرين، من الشباب والمخضرمين، الهواة والمتخصصين على السواء.
صلاح فضل، من مواليد قرية شباس الشهداء بوسط الدلتا في 21 مارس عام 1938، اجتاز المراحل التعليمية الأولى الابتدائية والثانوية بالمعاهد الأزهرية. ثم حصل على ليسانس كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة عام 1962، وحصل على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة مدريد المركزية بإسبانيا عام 1972.