الشارقة ـ مصر اليوم
في خمس عشرة لوحة بيضاوية الشكل يضمها معرض «الخط على بيض النعام» في مهرجان رمضان الشارقة، إذ يجمع الفنان الإيراني، محمد نباتي، في مستوعبات زجاجية، رأسية، بين إشراقات الألوان وغنى الدلالات الكامنة في تصاميم وإيحاءات وتشكيلات مشبعة بالبعد التاريخي ومطرزة باللمسات الصوفية. وهو في كل هذا يستعير أبجديات لونية تطال الأنواع بمجملها، ولكن يطغى عليها: الأحمر والبنفسجي (في الزهور)، الأخضر والأبيض والرمادي والبني (مع مناظر الطبيعة)، الأسود والأزرق والأبيض (في رسومات الشخصيات)، الأرجواني والأسود والأبيض (للملوك والخيالة)، الأبيض والبنفسجي (للوحات عن بموضوعات تأملية وفلسفية).
وهناك محطات بانورامية نستقر فيها، أو تقابلنا فنطيل المكث فيها، نختبرها بينما نحن نطالع أعمال المعرض بمحمولاتها كافة، ففي أعماقها وزخم معانيها المطرزة بهجة لونية وذائقة فنية عالية، نجد انه تقيم حكايات وقصص من غابر الدهور والعصور، وكذلك، في جنباتها تعزف مناظر الطبيعة وسير الناس وتجسيداتهم، أعذب ألحان الإبداع والتفكر.
وهنا لن تكتمل الصورة مع هذه الجوانب فقط، بل إن لدلالات الموروث وإشاراته ورموزه، حضورًا طاغيًا لا ينفك يأسرنا بعد أن يشدنا بتكويناته التي نقرأ في أعماقها المتجلية بأبعاد اللوحات الممتدة على أسطع البيضات، (اللوحات / البيضات)، في جماليات الماضي وقصص أهله وطبيعة تقاليدهم وعاداتهم بموازاة دلالات إيماءاتهم وحركاتهم، وأنماط لباسهم وممارساتهم الحياتية اليومية.
ومع تلك الأجواء جميعها، تقودنا الأعمال إلى بوابات الرمز البادي في التشكيلات الفنية العاكسة لموضوعات فلسفية شتى. وكذا تأخذنا غيرها إلى حيث مخازن سير التاريخ وشخوصه، لننبش ونتريث ونعيد التقويم والتفكيك والتحليل حول حكايا الناس والملوك والسلاطين.. وأيضاً التجار والسادة والموسيقيين والفلاحين. فهؤلاء جميعاً موجودون يحضرون من خلال تجسيدات ورسومات متقنة، تنصهر في بوتقة فنية ممهورة بالبراعة والحرفية.
يطغى اللون الأبيض في مساحات مهمة في لوحات/ بيضات، المعرض، ولكن يبدو أن الفنان تقصد أن يحقق الغلبة لهذا اللون بالتحديد، ضمن الأعمال المخصصة للوحات الخط العربي، والتي تشغل حيزاً جيداً في المعرض. إذ تشتمل على آيات قرآنية وأقوال وعبر، كتبها محمد نباتي بقوالب فنية جاذبة. ونتبين في تلك الأعمال تناسب وتناسق الألوان مع معاني الآيات وموضوعات العبارات، وذلك إلى جانب إطارات زخرفية بديعة منثورة في أبعاد وزوايا حلل تصاميم مختلفة.
صور وتأملات ممزوجة بإيحاء اللون، تنسج أجواء الحكمة وبهاءها، يقدمها الفنان محمد نباتي في معرضه، ضمن لوحات خصّ بها الشاعر والفيلسوف الراحل عمر الخيام. إذ يُضمّن إحدى اللوحات أقوالاً للخيام، ومن ثم يجسدها الفنان، في الوقت عينه، برسومات ممتدة تحتها وفي محيطها، تحكي عن مكنون هذه الحكم والأشعار. وبطبيعة الحال، تبرز في هذه الأنواع من الأعمال، تشكيلات هندسية وتنويعات لونية، مدروسة، توائم ماهيتها.