القاهرة - مصر اليوم
أحمد ممدوح، طالب بالصف الثالث الإعدادى، بإدارة الزاوية الحمراء التعليمية، بمحافظة القاهرة، جاء على ظهر الدنيا دون ذراعين، لم يتجاوز الـ15 عاما من عمره، وحصل على بطولة الجمهورية فى رياضة السباحة لخمس سنوات متتالية، وكرمه الدكتور محمود أبو النصر، وزير التربية والتعليم، تشجيعا لذوى الاحتياجات الخاصة. لا يملك أحمد، بحياته سوى 3 أحلام هم الحصول على ميدالية بمسابقة عالمية ممثلا مصر، وتعويض والدته عن المعاناة التى لاقتها حتى أوصلته لما هو عليه الآن، ومأوى، ليعيشا به دون قلق، وأخيرا أن تمنحه وزارة التربية والتعليم جهاز "تابلت"، ليدرس من خلاله. بابتسامة لم تفارق وجهه رغم ما تحمله كلماته من ألم وضيق، قال أحمد، إنه بدء فى ممارسة رياضة السباحة وعمره 5 سنوات، وأن والدته اختارت أقرب المدارس بالمرحلة الابتدائية لمقر عملها، حتى لا يغيب عنها لفترات طويلة، وأوضح أنه كثيرا ما تعرض لمواقف أزعجته، خاصة عندما يناديه أصدقائه بـ"يا أبو أيد مقطوعة"، إلا أنه سرعان ما يجد أيدى والدته تمحى آثار ما تركه "سفه" الآخرين داخله، لتؤكد له أن تلك إرادة الله، وأنه سيكون مثلا أعلى لهم جميعا، وتطالبه بالصبر. وضع أحمد الدراسى، ليس جيدا، خاصة أنه حصل فى الفصل الدراسى الأول من العام الحالى على 87 من 150 درجة فقط، وتؤكد والدته أن مشكلته أبدا لم تكن ضعفا بمستوى إجادته للمقررات، أو صعوبة الأسئلة عليه، أو عدم قدرته على الحفظ، بل قدرته المحدودة على الكتابة بنفسه وحدها تضعف من فرص تفوقه الدراسى. فأحمد لا يستطيع الكتابة لأكثر من 10 دقائق، وفى حال تجاوزه ذلك تحدث حالة من التشنجات المتتالية التى لا تعطيه الفرصة للإجابة على كافة الأسئلة، وما زاد الأمر سوءا هو أن الأسرة لم تكن على دراية أن ابنها طبقا لقانون التعليم يُسمح له بوجود مرافق فى لجنة خاصة، لتتركه والدته يجيب وحيدا على الامتحانات التى غالبا لا يجيب على نصفها فى كل مادة، لتؤكد أنها أرادت أن يعتمد على نفسه وأن يثق بقدراته. وكونه ولدا وحيدا بين أسرة تتكون من ثلاثة أخوات ووالدته، قرر أن يكون رجلا قبل موعده، ليبدأ رحلة البحث عن وظيفة توفر دخلا يساعد من خلاله والدته للصرف على شقيقاته، ويعمل لدى جار لهم مالك محل "ميكانيكا"، صبى يساعده فى إعطائه المُعدات. وقبل أحمد العمل كصبى ميكانيكى، مقابل 10 جنيهات فى اليوم، لمدة تزيد عن 8 ساعات يوميا، ويبدأ عمله بعد انتهائه من المدرسة ظهرا، حتى 7 مساء، ثم يترك "الورشة" ليتجه إلى المنزل ويستأنف يومه كونه طالبا فى عدة ساعات بقيت له، ليقسمهم بين مذاكرته ونومه والحديث مع والدته حول احتياجاتها. لم ينس أحمد حقه فى أن يكون له حلم، يعمل ويأمل لتحقيقه، ليعبر لنا عن أمله أن يصير مهندس بترول، عقب الالتحاق بالدراسة بكلية الهندسة. وبدأ البطل الطموح فى حصد البطولات منذ عام 2004، لخمس سنوات متتالية، وشارك بـ21 مباراة وبطولات ليفوز فى كل مرة بميدالية، تنوعت بين الذهبية والفضية، وكرم نادى القاهرة الرياضى "الطالب" لما حققه من إنجازات، ونظم رحلة إلى الأردن، ليستقبله مسئولو الدولة ويكرمونه بمنحه شهادة تقدير، ويحلم بالفوز بميدالية لمصر، خلال مشاركته بمسابقة عالمية. وعرضته والدته لأكثر من مرة على أطباء خبراء بمجال إعاقته، إلا أن جميعهم أكدوا أن حالته لا يمكن تركيب أطراف بديلة للطبيعية، ووجه لها أحدهم نصيحة أن تتجه إلى الرياضة، لأنه سيصير مميزا بها، فلم تيأس بل حرصت على موعد تدريباته التى غالبا يبدأ التحرك لها فى الخامسة فجرا. "ماما هو أنا دراعى مش هايكبر زى دراعك؟" سؤال كرره أحمد كثيرا على أذن والدته، وفى كل مرة تدمع عيونها تأثرا لما ولد عليه فلذة كبدها، لتؤكد لنفسها أنه سيصير بخير، لتهم بحبس دموعها وتوجه طاقتها نحوه فى حضن ينقل إليه الأمان والعطف، وتخبره أن الله أراد أن يكون على تلك الصورة، لذا عليه أن يقول "الحمد لله"، وأن يصبر. وكل منهما يحاول حث الآخر على الصبر، فهو يحاول تخطى الزمن ويسبق عمره، ليصير رجلا، ويأتى ليحنو عليها بكلمات بسيطة "حقك عليا يا ماما أنا عارف إنى السبب فى اللى إحنا فيه.. بس هاعوضك"، وهى تؤكد له أنها بخير ولا تشعر بأى ضيق، وتدعو الله أن يبارك فيه ليكون عونا لها ولأخواته. وتحلم والدة أحمد، أن يجد ابنها أبسط حقوقه فيما يتعلق بالدراسة، كحصوله على "تابلت"، ليساعده على المذاكرة للالتحاق بالكلية التى يتمنى الدراسة بها، وأن يجد مأوى لهم لعدم قدرتهم على دفع الإيجار الشهرى لشقتهم، وأن تخصص وزارة التربية والتعليم فى الفصل الدراسى الثانى مرافقا له، ليحاول إصلاح نتيجة الفصل الأول، ليلتحق بالثانوية العامة.